الاثنين، 9 مارس 2020

09 مارس 2020// سجن تولال 2 مكناس// المعتقل السياسي : أنور بقري// شهادة حول التعذيب

09 مارس 2020
سجن تولال 2 مكناس
المعتقل السياسي : أنور بقري
رقم الإعتقال: 45238

شهادة حول التعذيب


"على إمتداد خرائط الإضطهاد تكبر زنازن الإعتقال الرهيب وهي بمتابة أخطبوط يبتلع حق الإنسان في الحياة، حقه في إستنشاق الهواء حرا بلا رقيب، هناك حيث ترتسم القضبان قيدا دائم الوخز، يقف الجسد العاري في وجه الجلاد يقف صانعا من الزغاريد مشعل أمل، ينتصب، يزرع في فضائه حقول لتتفتح زهورا وسنابل، هناك، هنا وراء الجدران، وصمة عار على جبين الجبناء".
لا يخفى على المناضلين/ات والرفاق/ات ما يقع على المستوى العالمي، حيث لازالت الإمبريالية العالمية (و.م.أ، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا،...) بجشعها وطمعها بنهب وإستعمار عدة بلدان بآسيا وأفريقيا وأمريكا الللاتينية، كما أن هذا المسلسل من نهب ثروات وإستعمار بلدان"العالم الثالث"، ليس سوى حلقة من الحلقات التي تهدف من خلاله الإمبريالية إلى:
إستغلال المواد الخام لهذه البلدان، تصريف فائض الإنتاج بالبلدان التبعية، إجهاض سيرورة تطورها الطبيعي وإبقاء الإقتصاد و"السلطة السياسية" تحث سيطرة هاته الإمبرياليات، إضافة إلى صنع يد عاملة بالبلدان التبعية تكون قادرة على خدمة الأهداف الإقتصادية للإمبريالية وإخراجها من أزمتها الدورية بحكم التضاد الواقع بين التطور الهائل للقوى المنتجة وعلاقات الإنتاج الرأسمالية الكابحة للتطور التصاعدي والحلزوني للمجتمع.
من بين الشعوب المضطهدة من طرف أنظمة رجعية تخدم مصالح الإمبرياليات الإقتصادية، السياسية والإيديولوجية، مقابل مصالح ضيقة تعود بالسلب على هاته الشعوب. نجد الشعب المغربي لا يخرج عن هاته المعادلة المدروسة والمهندسة من طرف الإمبريالية الفرنسية والمطبقة من طرف نظام تبعي ذو ولادة قيصرية من خلال أكبر مؤامرة في تاريخ الشعب المغربي، مؤامرة "إيكس ليبان" التي سطرت عمالة وكمبرادورية  النظام القائم بالمغرب، بما هو نظام لا وطني لا ديمقراطي لا شعبي. إن الجرح الغائر الذي يعاني منه الشعب المغربي لأعمق من أن أكتبه في بضع أسطر، كما أن صرخات الملايين من العمال و الفلاحين وكل المهمشين وصمود وتضحيات المعتقلين السياسيين والشهداء تخترق الماضي نحو المستقبل، فلا تاريخ يكتبه النظام القائم بالمغرب سوى تاريخ الأكاديب من قبيل "السلم الإجتماعي"، "المسلسل الديمقراطي"، "تمتين الجبهة الداخلية"، ولا تاريخ كتب للشعب المغربي بدمائه الزكية إلا تاريخ القمع والإغتيال مقابل المقاومة الصمود من أبناء وبنات هذا الوطن الجريح، لا مفر للنظام القائم من الماضي إلى الحاضر سوى التزوير وإعادة كتابة "تاريخ" يتناسب وشعاراته بالحاضر.
إن الكذبة التي يتم تكرارها بالشكل اللازم تصبح حقيقة في نظر الشعب المقهور والمضطهد مع إبقائه جاهلا وعبارة عن أجساد بدون أدمغة تفكر أو تعبر، وهو ما يطمح إليه النظام القائم لكي تتسنى له السيطرة والهيمنة الشاملة على المستوى الإقتصادي، السياسي، والإيديولوجي، من بين هاته السياسات التي يلجأ إليها النظام القائم من أجل إستمرارية إستغلال ثروات المستضعفين وإطفاء نيران الغضب داخلهم، إلى جانب التجهيل الممنهج، نجده يحث الشعب المقهور والمضطهد على التفائل لما هو قادم في المستقبل، ومن أجل هذا الوهم المصطنع يستعمل إيديولوجيته الرجعية التي تتوغل داخل أدمغة لا تفقه شيئا من سياسته اللاشعبية، منتظرة هذا "المستقبل"، كزهرة مشتاقة للماء والهواء النقي غير الملوث في وسط صحراء كلها سراب وعواصف خانقة، فحياة الشعب مجلجلة بالأحزان والحرمان والتهميش، وفي المقابل نجد النظام القائم عبر أبواقه الدعائية وإعلامه المأجور يطبل لشعارات ليل نهار، "غدا سيكون أفضل من أمس، وأن الشقاء والفقر والبطالة متسربلة في ثياب الماضي، أما المستقبل فكله أعياد وجنائن فيه ما لم  يخطر على بال الشعب".
نحن نعلم جيدا، أن العامل يعمل عند الرأسمالي مكرها وسط معمل، والفلاح عند الإقطاعي وسط أرض بأثمنة بخسة، حتى تستطيع الأفواه المنتظرة، الإستمرار في البقاء بلغة علوم الإحياء لا العيش والحياة المسلوبة، كما أن إضطهاد وإستغلال العمال والفلاحين وكل المقهورين، هو ذاته طريق الغنى والثروة للنظام القائم، فلا مجال للشك كذلك في أن الإضطهاد والإستغلال الطبقيين، لن يتزحزحان من حياة الكادحين والمقهورين، إلا عن طريق الثورة بتوفر الوضع الثوري والشرط الذاتي المتمثل في الحزب الثوري القادر على أن يتغلغل وسط العمال والفلاحين وكل الجماهير الشعبية، ويقوم بتوجيه بؤسهم وتعاستهم بالإنفجار في وجه مسببها الحقيقي، النظام القائم بالمغرب، إضافة إلى أن الحقد على النظام القائم يجب أن يتحول إلى تصميم على ثورة وقيادتها من طرف العمال والفلاحين، إنها الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ذات الأفق الإشتراكي، خلاص العمال والفلاحين وكل المهمشين من الإستغلال والإضطهاد الطبقيين للنظام القائم، رغم محاولات هذا الأخيرعن طريق أجهزته القمعية المباشرة والغير مباشرة، بإحكام قبضته على حياة ومصير الجماهير الشعبية وتأبيد سيطرته الطبقية، إلا أن السحب السوداء تتشكل مع إحتدام الصراع الطبقي الدائر رحاه بالمغرب وتتهاطل بغزارة.
إن تاريخ الشعب المغربي مزدحم بالأحداث والوقائع التى تزيل كل مساحيق التجميل على الوجه البشع للنظام القائم من جهة، ومن جهة أخرى تعبر على مدى مقاومة وصمود الجماهير الشعبية في وجه آلة القمع الطبقي المتمثلة في جهاز "الدولة"، ويعكس هذا الصمود والمقاومة من خلال إنتفاضات شعبية تبعد زمنيا (58،59،65،81،84،90،2011،الريف، جرادة،...) لكن مضمونها واحد، وهو عدم رضى الجماهير الشعبية وسخطها على السياسات الطبقية للنظام القائم تنفيدا لإملاءات مراكز القرار الدولي (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي،...) وحفاظا على المصالح الإقتصادية والسياسية للإمبريالية العالمية.
وبإعتبارها رافد من روافد حركة التحرر الوطني، فإن الحركة الطلابية من خلال إسهاماتها النوعية في جل الإنتفاضات البطولية، وهذا ما إنعكس في الإغتيالات والإعتقالات السياسيين وقرون من السجن فاقت تاريخ البشرية، وكذلك كمحاولة إقبار الإرث الكفاحي للحركة الطلابية وتجفيف منابع الفعل النضالي المتجذر.
رفاقي، رفيقاتي، ما أقوم بكتابته يماثل قطرة في بحار ومحيطات تاريخ الإغتيال والإعتقال السياسيين بالمغرب، إمتدادات مياه مختلطة بالروائح الزكية لدماء الشهداء ويفوح منها نسيم حرية المعتقلين السياسيين، لا يتوقف توسعها أبدا إلا عند تحطيم البنية الطبقية المهترئة للنظام القائم بالمغرب، لأن المياه الملونة بالدماء والمختلطة بنسيم الحرية تستمد تجددها من العطاء الذي لا ينضب والتضحيات المتواصلة لشرفاء هذا الوطن الجريح، جرحا لن يشفى بالصبر الذي يقصد به الإستسلام للواقع والتسليم بالمصير، بل بالصبر الذي نسميه المقاومة والصمود مهما كانت الصعاب والمحن.
من خلال شواهد التعذيب تنكشف خبايا السجون الرجعية أمام الرأي العام المناضل والجماهير الشعبية كما الطلابية، وكذلك إماطة اللثام عن وقائع وأحداث وإنتهاكات خطيرة لما يسمى "حقوق الإنسان"، تستفز النظام القائم وتربك أوراقه وللبحث عن طرق وأساليب قديمة/جديدة للتعذيب الجسدي والنفسي بكل سادية وتلذد في إرتكاب أبشع أنواع التعذيب الذي تحفضه وتؤرشفه الكتابات وشواهد التعديب من داخل الزنازن النتنة حيث لا مكان للكلمات الواهنة والأيادي المرتعشة أمام سياط الجلاد، إن بين الجلاد و المعتقل السياسي علاقة متناقضة - بحكم تضاد المصالح الطبقية – ، الجلاد ينتظر لحظة تحطم وإنهيار المعتقل السياسي عن طريق التعذيب (الكاشو، الطيارة، الفلاقة الضرب،...) والتعذيب النفسي (السب، الشتم، التهديد بالإغتصاب،...)، وفي المقابل يرى المعتقل السياسي في التعذيب والتضييق والسجن مدرسة لتصليب القناعات وصقلها وواجهة أخرى لخوض الصراع مع النظام القائم وجها لوجه أمام الجلاد، يقف الجسد العاري منتصبا ومسلحا بأفكاره وقناعاته الفولاذية التي لن تصلها أيادي النظام القائم الملطخة بدماء الشهداء.
في خضم أفكاري من داخل الزنزانة، لم تراودني رغبة التفكير في مصيري/نا، حتى لو كانت ضريبة نضالنا إختطافا نحو المجهول، بل ما كان يهمني ولازال يشغل تفكيري هو أن المعتقلين السياسيين والجماهير الشعبية مصيرهم واحد وجلادهم - النظام القائم - واحد، ولا فرق بين السجن الكبير والسجن الصغير سوى جغرافية المكان.
إن لحظة إعتقالنا أو بالأحرى إختطافنا بطريقة هيتشكوكية يوم الخميس 26 دجنبر 2019 حوالي الساعة h 25min 12 من طرف قوى القمع السرية والعلنية التي كسرت الباب علينا ورشت أنوفنا بالغازات الخانقة (الميثان، الهيدروجين،...) قبل أن تنهال علينا بالضرب بإستعمال عصي البيسبول والهراوات والصواعق الكهربائية وهو ما أدى إلى كسر على مستوى أضلع الظهر للرفيق محمد أشملال وإلى كسر على مستوى الكاحل الأيسر للرفيق المهدي المستعد، كما أن الباقي من الرفاق أصيبوا بجروح خطيرة وندبات زرقاء منتفخة في مناطق مختلفة من الجسم، إضافة إلى إختناقنا جراء إستعمالهم الغازات الخانقة، وبشكل يعبر عن حقيقتهم البشعة، أنكروا كل ما تعرضنا له من إتلاف وتمزيق للملابس وإهانات وإستنطاق على شاكلة عصابات "الهاجانا" الصهيونية من داخل ولاية القمع الجديدة بمكناس، حيث قالوا بالحرف الواحد "لم يكن هناك أية مضارب البيسبول والهروات والصاعق الكهربائي؟؟؟ كما أننا لم نقم بإهانة أو تعنيف أي أحد منكم؟؟؟، ويا للغرابة والتناقض أجسادنا وملابسنا تعبر بشكل واضح على حفاوة الإستقبال الذي استقبلنا به منذ لحظة الإقتحام مرورا بالإعتقال والإستنطاق.
في لحظة معينة من داخل غرفة بولاية القمع، ما أدركته و بسرعة بعد إحضارهم لمجموعة/ترسانة من الأسلحة البيضاء، أقنعة للوجه، قفازات، هو أن ملفا مطبوخا ومعدا سلفا في دهاليز الإستخبارات قامو بتحضيره بهدف وضعنا في صورة المجرمين ونزع صفة المناضل عنا لأن في حقيقة الأمر إعتقالنا جاء على أرضية نضالنا إلى جانب الجماهير الطلابية والشعبية بشكل عام، كما أن باقي الرفاق أدركوا المسرحية المفبركة، وما كان لزاما فعله في تلك اللحظة، قام به الرفيق عبد الواحد الشرقاوي، حيث أخد المبادرة وتسائل بصوت مرتفع: ما هذا الذي تريدون أن تتهموننا به؟ وكرد على سؤال الرفيق، إلى جانب إبتسامة المكر المرسومة على وجوه الجلادين البشعة، إقترب أحد منهم من الرفيق الشرقاوي وهدده بأن يلتزم الصمت أو أن يقوم بإغتصابه بإستعمال قنينة ماء.
بعد إنتهاء هذا الفصل من المسرحية، وبداية فصل جديد من داخل غرف التعذيب، إن الغرفة التي أدخلوني إليها بشكل منعزل عن باقي الرفاق من أجل الإستنطاق والإستجواب، حيث يتواجد من داخلها خمسة جلادين، أحدهم يجلس أمامي مباشرة على كرسي والأربعة المتبقين يحيطون بمكان تواجدي، إثنين على اليمين و إثنين على اليسار، وما لا يقل على عشر ثواني من إدخالي للغرفة المذكورة، حتى بدؤوا بشكل هستيري بالسب والشتم والتهديد بالإغتصاب، حيث جاء على لسان جلاد من الإثنين الواقفين على يميني يقول: "أنت وسيم وأشقر، سأخبرهم أن يأخدوك إلى إحدى الزنازن في السجن مع معتقل من معتقلي الحق العام ليرجعك إمرأة له"، وفي مسار هذه الأحداث تحول التهديد إلى ضرب وتعنيف، وإقتراب أحد الجلادين والباقي يلعب دور المتفرجين والمراقب لما يحدث، حيث أجبرني الجلاد تحت الضرب غير المنقطع بالجلوس على الركبتين واليدين وراء الرأس ووجهي موجه إلى السقف لفترة زمنية تجاوزة الخمس ساعات وجسدي في نفس الوضعية التي أجبروني على إتخادها، كما أن رؤيتهم لحركة من جسدي حتى لو كانت لا إرادية أو لاشعورية أتلقى على إثرها ضربات في الجسد هنا وهناك، إضافة إلى أنني كنت أشعر ببرودة أرضية الغرفة منطلقة من مكان إلتقاء ركبتي بالأرضية ومنتشرة في باقي الجسد والذي نتج عنه ألم شديد على مستوى الدماغ جراء البرودة القاسية للأرضية، كما أنني لم أكن أشعر بأن عنقي أصبح متواجدا في مكانه، كما لو أنه إقتلع من مكان تواجده في الجسد من شدة تأثير الألم الذي خلفه إجبارهم لي على رفع وجهي لأنظر في السقف طول الخمس ساعات المذكورة، أما بالنسبة لألم الظهر لحدود اللحظة لازلت أشعر به جراء تعذيبهم الوحشي والهمجي، وبعد إخراجي من الغرفة أخبرني الرفاق أن عيني اليسرى زرقاء ومنتفخة.
رفاقي، رفيقاتي، هذه الكلمات التي تنقل لكم جزءا مما تعرضت له من تعذيب جسدي ونفسي من طرف الجلادين، هي دليل واضح على أن أيام "درب مولاي الشريف" و"السنطرال" و"الكومبليكس"...، لازالت قائمة في الحاضر بشكل أو بآخر، الأمر الذي يكشف حقيقة الكلمات المنمقة والشعارات الديماغوجية المرفوعة من طرف النظام القائم حول "حقوق الإنسان"، "أنسنة السجون"،...الخ.
في ساعة متأخرة من ليلة نفس اليوم الخميس 26 دجنبر 2019 ، وإستمرارا في فصول المسرحية من داخل قبو ولاية القمع طيلة ثلاثة أيام (26،27،28 دجنبر 2019) أتذكرها لحظة بلحظة من داخل الزنزانة والظروف اللاإنسانية التي عشناها كمعتقلين سياسيين إلى جانب معتقلي الحق العام، كما أن من يتواجدون داخل قبو ولاية القمع يعاملون من طرف الجلاد كما تعامل الكلاب ونحن من ضمنهم، ومن أجل إعطاء صورة واضحة أكثر لكل من يقرأ هذه الأسطر، فإن الزنازن التي إحتجزنا داخلها يسميها معتقلي الحق العام ب"الفرماجة" نظرا لشكلها الهندسي المثلثي، إضافة إلى أن الأفرشة والأغطية المتواجدة داخلها لا يتجاوز عددها عشرة، في حين أن كل "فرماجة" يحتجز داخلها أزيد من ثلاثين معتقل، كما أن الأغطية والأفرشة تحتوي على البق والقمل إلى جانب أن العينين يدمعان من شدة رائحتها الكريهة والنثنة، والغريب في الأمر أن أغلبية المعتقلين ونحن من ضمنهم - كمعتقلين سياسيين – ينامون مباشرة على أرضية "الفرماجة" الباردة والمبللة.
في وسط هذه الظروف اللاإنسانية، رأيت مشهدا لن يمحى من ذاكرتي أبدا، شاهدته إلى جانب كل من كان يتواجد من داخل "الفرماجة" حيث أقدم أحد الجلادين على تعليق معتقل من الحق العام بالباب الحديدي للزنزانة بواسطة الأصفاد بإرتفاع لايسمح للرجلين أن يلمسان الأرض، وبدأ الجلاد في توجيه الضربات على الوجه مباشرة، ولم تنقطع اللكمات حتى أفقده الجلاد وعيه والدماء تغطي وجهه بالكامل، وكان السبب وراء هذا التعنيف الوحشي أن هذا المعتقل وقف صامدا أمام الجلاد مطالبا بغطاء وفراش وشيئا يأكله إضافة إلى إستعمال المرحاض لأنه يعاني من قصور كلوي، لأن الذهاب إلى المرحاض ليس في نظرهم حاجة بيولوجية وإنما مرتبط بمزاج الجلاد إما الرفض أو القبول، وفي الغالب يتم الرفض، كمحاولة حثيتة للمزيد من تعميق التعذيب الجسدي والنفسي.
من أجل إستكمال فصول المسرحية، سأترك القلم يذهب إلى صباح يوم السبت 28 دجنبر 2019، اليوم الذي لعب فيه الجلادون دور الذئاب وسط مسرحية نحن هم الخرفان التي ستقطع رقابها كما للأمانة في إيصال كل ما تعرضنا له إلى الرأي العام المناضل والجماهير الطلابية برفاقها ورفيقاتها، حيث تم تلفيق تهم لا علاقة لنا بها من قبيل كمية من المخدرات الخطيرة (كوكايين) لي، حتى دون سؤالي عليها، وهو ما جعلني أبتسم على غباء الجلاد في نوع التهمة الملفقة لي، وقد وقفت بحزم ضد هذا التلفيق بأن تجرى خبرة طبية جراء هذا الإدعاء الكاذب، في حين لم يجدوا أي "جرم" أو "تهم" بلغتهم، غير نضالنا وإنخراطنا في صفوف الإتحاد الوطني لطلبة المغرب وإنتمائنا للتوجه المكافح النهج الديمقراطي القاعدي القيادة السياسية والعملية للحركة الطلابية وإطارها الصامد أوطم وتبنينا لقضايا التحرر والإنعتاق مسترشدين في ذلك بالماركسية - الللينينية ومدافعين حتى النخاع عن عدالة ومشروعية قضيتنا قضية الشعب عموما.
إننا كمعتقلين سياسيين لا ننتظر من نظام رجعي يخدم مصالحه الطبقية على حساب مصالح الجماهير الشعبية، أن ينصفنا أو يعترف أن تهمنا الوحيدة هي النضال من أجل مجانية التعليم والمساهمة من موقعنا إلى جانب الجماهير الشعبية في قلب البنية الإقتصادية والسياسية إلى صالح العمال والفلاحين وكل المهمشين، بل من ينصفنا ويستوعب خلفية إعتقالنا بما هو إعتقال سياسي هم رفاقنا ورفيقاتنا والجماهير الطلابية وعائلتنا المكلومة  وكل شرفاء هذا الوطن.
إن الإعتقال السياسي قضية طبقية وشكل من أشكال القمع المباشر بإيداع المناضلين داخل السجون الرجعية، حيث أن المعتقل لم يكن يوما من أجل "إعادة الإدماج" كما يدعي النظام القائم، وإنما وسيلة من الوسائل التي يهدف من خلالها إلى الحفاظ على سيطرته الطبقية وكسر شوكة الإحتجاجات التي يعرفها المجتمع ولجم المناضلين والحد من حركيتهم وكسر عزيمتهم كمعتقلين سياسيين بإستعمال شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وهذا ما قام به الجلادون من داخل السجن السيء الذكر تولال 2 بمكناس، حيث لم تمر خمسة دقائق على إدخالنا من باب السجن وذلك مساء يوم الأحد 29 دجنبر 2019، حتى جاءت على مسامعنا إهانات وتهديدات من طرف الجلادين وفي مقدمتهم المدعو "النهاري" وكذلك الركل والرفس والضرب على أماكن متفرقة من أجسادنا المنهكة بالتعديب الذي تعرضنا له طيلة  72 ساعة داخل ولاية القمع.
بعد ذلك أخدونا نحن الرفاق الثمانية الى الجناح الإنفرادي رقم 1 بشكل فردي، من أجل عزلنا وإيداعنا بزنازن/مقابر مختلفة، الزنزانة التي كنت محتجزا فيها لا يتعدى طولها 3 أمتار وعرضها المترين، كما يوجد من داخلها ما يسميه معتقلي الحق العام ب"البيدانصي" واحدة للغطاء والأخرى للفراش وكلتهما محملة بشتى أنواع الحشرات والروائح النتنة كنتانة النظام القائم، أما بالنسبة للوجبات/السموم التي يقدمونها النصف مطهوة تسبب إضطرابات هضمية متمثلة في الإسهال بالخصوص، إضافة إلى حرماني من الفسحة والتطبيب والمكتبة، كخطوة جبانة للمزيد من الضغط علينا للتراجع والنيل من قناعاتنا، وهذا ما عكسناه ب 180 درجة من إنتظارات الجلادين في إنهيارنا، وكذلك من خلال إقدامنا على خطوة نضالية متمثلة في إضراب إنداري عن الطعام لمدة 48 ساعة دفاعا عن مطالبنا العادلة والمشروعة وفرضا لهويتنا كمعتقلين سياسيين، و لم تمر 30 دقيقة من تقديمنا لإشعارات الإضراب عن الطعام، حتى فتحت الزنازن بشكل همجي ووضعت الأصفاد بالأيادي – رغم تواجدنا من داخل السجن -؟؟؟؟ وتمزيق كتبنا وأخد بعضها الآخر، كما أقدم الجلادون أيضا بتخريب كل ما يوجد من داخل الزنزانة من ملابس وأواني...، ليأمرونا بعد ذلك بجمعها تحت الصفع والسب، من أجل تفريقنا مرة أخرى على زنازن إنفرادية، حيث تم إدخالي إلى الزنزانة الإنفرادية رقم 4 بالجناح الإنفرادي رقم 2، محمل بآثار الضرب والصفع وبما تبقى من ملابس وأواني وكتب، وفي صباح اليوم التالي على الساعة السابعة صباحا، فتحوا باب الزنزانة من أجل نقلي إلى الزنزانة رقم 17 - التي أتواجد فيها حاليا – من نفس الجناح، دون أن يذكروا سبب هذا التغيير المفاجئ من غير أن ملامحهم تعبر على أنه إنتقاما على خطوة الإضراب عن الطعام، وكذلك ما يمكن إستنتاجه أن الإضراب عن الطعام من داخل السجون يكون أكثر إحراجا وإرباكا للنظام القائم وجلاديه، لأن المعتقل السياسي يكون وجها لوجه مع الجلاد ويصارع بالقناعات الفولاذية والإيمان الراسخ بحتمية النصر، النظام القائم من داخل ما يعتبره المكان الذي لايستطيع أي كان الصمود داخله.
رفاقي، رفيقاتي، إننا كمعتقلين سياسيين للنهج الديمقراطي القاعدي، منطلقنا الإيديولوجي الماركسية اللينينية وتصورنا السياسي الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ذات الأفق الإشتراكي، محملين بقناعات ومواقف بعيدة على أن تطالها أيادي الجلاد رغم تفننه في التعذيب الجسدي والنفسي.
رفاقي، رفيقاتي، إن شقاء فلاح بأرض لا يملك منها شبرا و إغتراب عامل يوميا في المعمل، لن ينسينا طريق النضال والصمود من وسط السجون الرجعية للنظام القائم، ولنا كل الشرف أن نتواجد من داخل السجن كمعتقلين سياسيين وتضحياتنا لن تنقطع أبدا، ولو تطلب ذلك حياتنا قربانا للحرية والإنعتاق من نير الإضطهاد والإستغلال الطبقيين، وفي الأخير أود أن أحيي كل الرفاق والرفيقات والجماهير الطلابية وشرفاء هذا الوطن الوطن الجريح المرابطين لساحات الوغى، و أحيي عاليا لجنة المعتقل المنضوية تحت لواء إطارنا العتيد الإتحاد الوطني لطلبة المغرب على دعمها ومساندتها المادية والمعنوية لنا ولعائلاتنا المكلومة و أيضا لا تفوتني الفرصة لأحيي هيئة الدفاع على وقوفها المبدئي إلى جانبنا طيلة أشواط المحاكمات الصورية، وفي الختام أقول كما قال شهيدنا النبراس مصطفى مزياني شهيد الشعب المغربي والحركة الطلابية والنهج الديمقراطي القاعدي: "يعتاقلوا لي يعتاقلوا، ويغتالوا لي يغتالوا..، سننتصر لأننا وسط الجماهير.. سننتصر لأننا نسير على درب الشهداء.. سننتصر لأن الجماهير ستنتصر".      
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق