الاثنين، 25 فبراير 2019

عندما تحمي "الدولة " نفسها من المعلم



عندما تحمي "الدولة " نفسها من المعلم



سوف يظل حقل التعليم حقلا أساسيا من حقول الصراع الطبقي كما تطرقت له منظمة "إلى الأمام" المنظمة الماركسية اللينينية المغربية سنوات بداية السبعينات و التي اعتبرته أخصب حقول الصراع لأنه يضم في خضمه أبناء العمال والفلاحين أي العنصر الكادح الذي التحق بالجامعة بعد صراعات مريرة قدمت فيها التضحيات الجسام المتوجة بسقوط الشهداء و الشهيدات إبان انتفاضة ٢٣23 مارس المجيدة سنة 1965. ولازال هذا الحقل مجالا خصبا للصراع ولازال معه النظام القائم ينهج سياساته الطبقية بما هي سياسة رجعية ضد الشعب الكادح عموما و أبناؤه خصوصا قصد إنتاج و إعادة إنتاج نفس علاقات الإنتاج ضمن إطار سياسة تدوير الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها لأجل تصريفها على كاهل المجالات الحيوية التي هي بمثابة مكتسبات ضحى من اجلها الشعب المغربي ولم يبخل بتقديم المزيد من اجل تحصينها، وكان للنظام القائم رأي آخر باعتباره المسيطر سياسيا الشيء الذي يتيح له عن طريق جهاز "الدولة" البورجوازية الكمبرادورية العميلة للرأسمال الأجنبي السيطرة الإيديولوجية كذلك، ويحتل التعليم في هذا الباب المكانة البارزة نظرا لما يشكله من خطر على النظام القائم بما هو استمرارية لمصالح أسياده الذين نصبوه في ظروف يعرفها الجميع كما الأنظمة التبعية عموما في كل بقاع العالم، التي كانت ضمن إطار تغيير خطة التواجد العسكري المباشر بهاته البلدان نظرا لبروز حركات التحرر الوطني ولا كذلك تكاليف النفقات التي يتطلبها هذا الأخير.
فالتعليم هو سلاح في يد الطبقات الكادحة لأجل نفض غبار الجهل و الخروج من الظلام إلى النور كما يقول المثل الشهير " العلم نور و الجهل عار"، لان المدرسة العمومية هي رصاصة فمن سيظفر بها هل النظام أم الجماهير الكادحة؟ هذا هو السؤال الجوهري المطروح و ربما الإشكالية التي تؤرق النظام القائم في ظل ضعف قاعدته الاجتماعية و لا كذلك الرضوخ للإملاءات الخارجية الموجهة عبر دواليب الرأسمال العالمي كل من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي، منذ بداية الثمانينات ضمن سياسة "التقويم الهيكلي" الذي اشرف عليها "الجوهري"الذي يشغل الآن (مدير بنك المغرب) التي على اثر تأثيراتها خرج الشعب المغربي عن بكرة أبيه إلى شوارع المدن للانتفاض على واقع قائم سمته الخنق و التضييق على قوته اليومي. لقد تعمدنا الرجوع إلى الوراء قليلا لربط الماضي بالحاضر لنبرز سيرورة الهجوم على حقل التعليم خدمة للاقتصاد التبعي بنيويا للامبريالية و نظرا كذلك للتداخلات بين مختلف حقول الصراع الطبقي، سوف نعود إلى انتفاضة الشعب المغربي المجيدة انتفاضة ألف شهيد و شهيدة لنقف على الدروس في بدايات الهجوم على التعليم وما شكلته هاته الأخيرة أي انتفاضة 23 مارس من سنة 65، التي خرج فيها التلاميذ و الطلبة العمال و الفلاحين و الأساتذة و المعلمين التي عرفت تأطيرا مهما من طرف المعلمين وتوجيها حضي بانضباط التلاميذ و الطلبة له، و الذي على إثره نُعت المعلمين بأشباه المثقفين من طرف رأس النظام آنذاك و الذي هددهم بالسجن كذلك و قال بالحرف: "يا أشباه المثقفين ليثكم كنتم جهالا...."، تعرض المعلم هنا للإهانة الثانية بعدما تمت إهانته في المرة الأولى عن طريق التقليل من قيمته في العلاقة مع المعلم الفرنسي المتواجد بالمغرب آنذاك، وعلى هذا المنوال تركزت الهجومات المتوالية على المدرسة خاصة و التعليم عامة بمضمونه المتطور الذي أسهم بشكل أو بآخر بتطور الوعي، ليعانق في أرقى مستوياته الفكر الثوري كولادة طبيعية لتطور الصراع الطبقي الدائرة رحاه بالمجتمع المغربي في كل مستوياته الاقتصادية و السياسية والاجتماعية.
إن التنكيل بالمعلم اليوم ومحاولة ربطه بالجانب المتعلق بالأجرة و فقط هو جزء من السياسة الطبقية المنتهجة ضمن سياسة تتفيه حامل الرسالة النبيلة على مستوى المجتمع المغربي، إن المعلم و الأستاذ كجزء لا يتجزء من قضية التعليم و لا يمكن فصله عنها، ومادام ترتيب المغرب على مستوى العالم و مكانته في الحضيض التي لا يمكن تحميل المسؤولية للمعلم الذي هو نتاج لذات المنظومة الفاشلة، والذي هو كذلك تهرب من المسؤولية من طرف النظام القائم و محاولة إلقاء اللوم على المعلم في مستوى فشل منظومة التعليم، ومع "حكومة" بنكيران زاد الوضع سوءا و أصبحت حتى الوظيفة العمومية على قلتها في خبر كان، و التعليم من أولى المجالات الذي أدخلت عليه "نظام العقدة" ليتحول معها المعلم مهدد في استمراريته لتطبع نفسيته بعدم الاستقرار، وفي نفس الوقت تحمله المسؤولية لما آلت إليه أوضاع المدرسة و التعليم بشكل عام إنه العبث في أرقى مستوياته، و في نفس الوقت إن احتج نعنفه و نقمعه و نعتقله لأنه أراد فقط شروطا صحية للقيام بمهامه على أكمل وجه ضمن سياساتكم التي يطبعها الخوف من الشعب، و تدركون تمام الإدراك أن الوعي هو السلاح الذي يفتقده الشعب ليسقطكم أرضا في هذا المستوى.
إن هدم احد أركان التعليم و محاولة دفعه نحو اللامبالاة اتجاه التدريس و التحصيل العلمي و التكوين و الاهتمام فقط بالجانب المتعلق بتحسين الأجرة و ظروف العمل عوض آن يكون المعلم هو آخر من يفكر في هذا الأمر، المسالة هنا ليست عفوية إنما هي مقصودة بل جريمة مكتملة الأركان مع سبق الإصرار و الترصد لأجل هدم ما تبقى من أركان المدرسة، بعدما قاموا بإشعال فتيل حرب بين الأستاذ و التلميذ و أصبحنا نرى معها مشاهد مروعة من العنف باستعمال مختلف الأسلحة البيضاء من داخل حجرات الدرس، و يتم استغلالها لأجل التهرب من المسؤولية و محاولة حصرها على مستوى الحلقة الأضعف، كما هو بديهي فتعرض الأستاذ للعنف من طرف احد تلاميذه الذي هو ضحية لتمظهرات مرضية سابقة على وجوده في المجتمع، و التي من أجلها أقاموا الدنيا لذلك عبر قنوات الصرف الصحي على مستوى هذا الوطن بغية ستر عورة النظام عوض أن يسقطوا ورقة التوت التي تغطيها و التي هي مهام المعلم والمثقف المرتبط بالدفاع عن الحقيقة لا غيرها بما هي ثورية، وهو دوره الذي ينبغي عليه أن يضمه إلى جانب مطالبه الديمقراطية و التي من حقه أن يدافع عنها لكي لا تظل المدرسة أداة لإنتاج رجال القمع و فقط الذين يعنفونه تحت طائل "القانون".
إننا ندين بشدة ما تعرض له الأساتذة و المعلمين مربوا الأجيال من إهانة و إساءة و عنف و تنكيل من طرف قوى القمع بالرباط إبان ذكرى انتفاضة 20 فبراير الثامنة، و نقول للنظام القائم كفى من العبث بمستقبل الشعب المغربي عبر الحط من كرامة المعلم احد الأدوات الأساسية في التعليم، فلتعلموا يا أعداء الشعب و يا مدعوا الإصلاح أن المعلم عنصر أساسي في العملية إن كنتم فعلا تريدون ذلك، لكنه يبدوا بالملموس و قد تأكدت نيتكم عبر "المخطط الاستراتيجي" بما هو استمرارية لذات المخططات الطبقية السابقة و النسخة المشوهة للميثاق الطبقي للتربية و التكوين، انه الاستمرار في إهانة الشعب وخرق حتى "القوانين" التي يتبنوها والمستنبطة من دستور 2011 الممنوح الذي ادعوا انه ديمقراطي أكثر من الديمقراطية نفسها، و التي أكرموا وفادة المعلم تحت تأطير فصوله المبجلة. إنكم تسيئون للوطن بضرب المعلم و تسيئون للقيم النبيلة و الرسالة الشريفة، فاللعنة عليكم وعلى جهازكم القمعي الذي لن ينفعكم إن لم تعيدوا النظر في ممارستكم في العلاقة مع المدرسة و المعلم، و التي لن تستطيعوا لأن الأوامر تأتي من "فوق" وهذا "الفوق" إن غدا لمسقطه ولننتظر بما سوف يجود علينا به الزمن و التاريخ بيننا يا أعداء التعليم.

خليل.مناضل قاعدي


0 التعليقات:

إرسال تعليق