بمناسبة الذكرى 28 لاستشهاد الرفيق
عبد الحق شباضة
شباضة الرفيق ـ شباضة
الشهيد ـ شباضة القاعدي
عرفناه للمرة الأولى حين ملأ
القاعة صراخا وصخبا بشعاراته الغير موزونة والخارجة عن إيقاع جمهور القاعة، عرفناه
بحماسته النضالية المتميزة وبترديده طوال أنشطة الأسبوع الثقافي لشعارات التنديد
والإدانة لهمجية النظام خلال انتفاضة يونيو البطولية والإشادة والتنويه بالمقاومة
الشعبية الشجاعة.
وقع ذلك خلال الأسبوع الثقافي
المنظم من طرف تعاضدية كلية الحقوق لموسم 81/82 في إطار الاتحاد الوطني لطلبة
المغرب، فرغم القمع الأسود الذي عرفته الساحة الجماهيرية آنذاك بما فيها الساحة
الطلابية التي عرفت تدشينا رسمت ملامحه واقعتين اثنتين، والأولى، انتفاضة يونيو81
بمدن الدار البيضاء المحمدية، الرباط، سلا، وجدة وبركان…الخ أما الواقعة الثانية
السيئة الذكر فهي مؤامرة 17 وليس المؤتمر الوطني السابع عشر لأوطم، هذا المؤتمر
الذي كان من المقرر أن تقود أشغاله من فوضتهم الجماهير الطلابية لتمثيليتها،
ففضلوا التآمر من وراء ظهرها بحثا عن مظلات سياسية، وما أفظعها مهزلة حين يعلم
المرء أن المظلات المعول عنها ما كانت عبر طول تجربة العمل السياسي بالمغرب حامية
حتى لحامليها وبالأحرى تتسع لعناصر قيل فيهم الكثير من لا وطنيين بوليساريو
أماميين عملاء أوفقير …الخ من التشويهات البوليسية الرخيصة.
إنه لتحد سافر حين يتخذ من الساحة
الطلابية مختبرا لترويج البضاعات النظرية المفلسة، في الوقت الذي كانت فيه
الجماهير المناضلة في أمس الحاجة لبرنامج نضالي موحد ولقيادة مكافحة تترجم ذلك
البرنامج على أرضية الواقع الملموس. هذين العاملين أعطيا للساحة الطلابية ظلاما
أدكنته اعتقالات واسعة تلتها محاكمات صورية في صفوف مناضلي ومسؤولي أوطم وأغلبهم
من الطلبة القاعديين، خاصة بعد ترميم جهاز المخابرات العلني الأواكس بالجامعة يوم
الثاني من نونبر81، المشؤوم حين فتح الطلبة أعينهم على أجسام غريبة تتحرك وسط
بهوات ومرافق الجامعة مدعية أنها تشكل نموذجا جديدا في طاقم أعوان الإدارة.
وكم اندهشنا من شباضة ومجموعة من
رفاقه الذين يبدون ملتفين حوله كزعيم روحي، غامرين المدرج هتافا وتنديدا بفاشية
النظام خلال انتفاضة حزيران وتساءلنا عمن هؤلاء ومن هذه الميليشيا المنظمة أحسن
تنظيم والمنضبطة خير انضباط ومن ذاك القائد الموجه، ليجيبنا أحد القاعديين
البيضاويين بأنه الدم الجديد القادم من ثانويات البيضاء هؤلاء مناضلي الحركة
التلاميذية والملتحقين بكلية الآداب بالرباط آنذاك.
وبسرعة تحولت هذه الميليشيا
المناضلة إلى جناح عسكري رادع لهجمات المخبرين العلنيين والسريين، وبسرعة كذلك
تحولت هذه الميليشيا لمحل اهتمام المستقطبين ولم ينج شباضة من شراك التحريفيين
المتربصين. لأنه لابد من تسجيل أن حماسة هذا الرفيق المعاند والمشاكس، قد استغلت
من طرف التحريفيين سماسرة القوى الإصلاحية الذين استفادوا بذكاء من الفقر النظري
وغياب التأطير الذين عانى منهما النهج لمدة ليست بالقصيرة، لكننا كنا على يقين تام
بأن مكان شباضة لن يكون إلا بجانب رفاقه المخلصين للنهج ببرنامجه وقيمه ومبادئه،
واستمر النقاش معه طبعا إلى أن تفهم طبعا لخطة جماعة بنيس التحريفية ليلتحق مرة
أخرى برفاقه في الدرب.
وليتبوأ بعد ذلك المواقع التنفيذية
داخل النهج الديمقراطي، إذ تحمل مسؤوليته كاملة في صياغة القرارات القاعدية الهامة
خلال فترة84/87بما فيها جلاء ¨الكراسيين¨ من داخل النهج وتثبيت البرنامج
الديمقراطي القاعدي من جديد.
وتماشيا مع أهدافنا النبيلة كطلبة
قاعديين والتي من ضمنها المساهمة الفعالة في إنضاج المسلسل الثوري العام من خلال
المشاركة نظريا وعمليا في تأجيج الوضع داخل المواقع الساخنة بالساحة الجماهيرية،
تحمل المناضل الثوري شباضة عبد الحق المسؤولية كاملة في العمل بكل تفان وإخلاص
وذلك على المستويات التالية:
-تنظيميا: من خلال خلق اللجان الثورية في كل مكان سواء داخل الحركات المناضلة
كالحركة الطلابية والحركة التلاميذية وداخل الطبقة العاملة وفي البوادي وداخل
الأحياء الشعبية وفي صفوف النساء الكادحات والمثقفات الثوريات…الخ.
-تأطيريا: من خلال الإشراف على الحلقات التثقيفية التي يكون هدفها نشر الفكر
الثوري ومنهجه الماركسي اللينيني ودرس الواقع المغربي وإقامة التحقيقات التي تهم
واقع الجماهير الكادحة وخلق الجمعيات الثقافية والحقوقية وبث المجلات السرية
والعلنية الخاصة بقطاع معين أو الجامعة لهموم الجماهير الكادحة بشكل عام.
-تحريضيا: من خلال استقطاب العناصر المناضلة ذات شعبية عريضة وذات موهبة خطابية
عالية تشرف على توجيه العمل الجماهيري العلني والشبه علني مستغلة كل استياء أو سخط
جماهيري لإشعال فتيل المعارك الطبقية العارمة ولاستقطاب الدماء المناضلة الجديدة،
غذاء الحركة الضروري، ومن خلال تنظيم الأعمال التحريضية الأخرى كتنظيم المظاهرات
والاحتجاجات، الإشراف على كتابة وتوزيع المنشورات السرية، وبالإشراف كذلك على
إنتاج الملصقات الحائطية أو الكتابة مباشرة على الحائط…الخ من الأشكال التحريضية
التي تتطلب نوعا خاصا من المناضلين إن أخطأت الحركة في مكان وعمل مناضل ما، يمكنها
أن تعاني الكثير من هجمات القمع الأسود التي تخلط الأخضر باليابس وتصبح آنذاك بدل
الضربة ضربتين، وما أصعبها في هذا الوقت الذي نحن بحاجة ماسة للأخضر كما لليابس.
لقد كان مناضلا لا يعرف لا الرعب و
الإرهاب البوليسي بل قوته وإيمانه بمبادئه وقضايا شعبه جعلت منه شخصا مرعبا في
نفوس خصومه وأعدائه الطبقيين ولا ننسى أن عتاة الأواكس بكليته كانت تطلق ساقيها
للريح كلما صادفت شبحه بأحد الأزقة الشعبية بمدن الرباط/سلا.
وكمحاولة يائسة للتخلص من عطاءات
هذا المناضل الفذ قرر النظام عبر بيروقراطيته الجامعية طرد الرفيق شباضة من
الجامعة ”لشغبه” المستمر بها، وهو الذي كان يتحمل مسؤوليته على طول مدة دراسته
بكلية الآداب بالرباط كمناضل بمجلس الطلبة وكمدافع عن الخط القاعدي بتصوره
وبرنامجه المرحلي والاستراتيجي المركز في النضال من أجل تعليم شعبي ديمقراطي
علماني وموحد.
طرد من الكلية لكنه لم يطرد من
النهج واستمر في تحمل مسؤولياته كاملة وبشكل مباشر لمدة سنة، ثم بشكل غير مباشر
لمدة سنة أخرى إلى أن طاله سيف الاعتقال بعد أن عرض قوة عضلاته الإنتاجية للسوق
وبقي على هذه الحال بروليتاري بكل صراحة في ميناء الدار البيضاء إلى أن كمشته
الشرطة خلال حملاتها المعهودةLa rafle générale واحتفظ به طبعا أولا لأنه لا يتوفر على بطاقة
وطنية، ثانيا لأنه متابع منذ سنوات.
وحول مباشرة للرباط ليستقبله
”أذكى” عنصر بالمخابرات المغربية ــ كما يتصور لنفسه ــ الخلطي، وهو في الحقيقة
التي يعرفها أي مناضل كان له الشرف وقابله في ”ساحة بيتري” بالرباط أنه من بلداء
الخلق الذي جعل منهم النظام دهاقنة يتقاضون الأجور العالية لا لشيء إلا لأنهم
يتقنون ويبدعون بكل همجية شتى أصناف التعذيب والخنق لكل الأصوات الشريفة بهذا
الوطن.
ومن ”بلاص بيتري” إلى ”فندق لعلو
خمسة نجوم” وهناك عانى شباضة من عجرفة وفاشية الكومندار وزبانيته، والذي لا يعترف
بالمعتقل السياسي إلا بعد صموده في إضراب لا محدود عن الطعام أولا وفي الكاشو
الرهيب ثانية ثم بعد ذلك أي بعد هذا الامتحان يحول المعتقل لجناح المعتقلين
السياسيين الذي لا يتوفر فيه أدنى الشروط التي من المفروض أن يتوفر عليها معتقل
سياسي والتي هي متوفرة بجل السجون المغربية وما أكثرها. توفرت ليس منحة من نظام
القمع طبعا، لكن بفضل صمود واستماتة المعتقلين السياسيين وتضحياتهم الجسيمة وبفضل
نضالات القوى الديمقراطية الثورية وضمنها عائلات المعتقلين أنفسهم.
فهذا شباضة رابع شهيد يسقط خلال
إضراب لا محدود عن الطعام بعد سعيدة ، مصطفى وبوبكر، وهذا رحال، المسكيني والزيدي
يستشهدون لظروف السجن القاسية، وهذا لقدور سايف، بيكاري ونارداح خرجوا من إضرابهم
بعاهات لم تشفى بعد خمس سنوات وهذا الدريدي، أحراث والجوهري المختطفون من داخل
السجن وهم في حالة إضراب عن الطعام…الخ.
ثم التحق شباضة برفاقه”مجموعة
راكز” المحاكمة بنهمة الانتماء ”لمنظمة 23 مارس الماركسية اللينينية” بعد انتفاضة
يناير المجيدة، وما كان منه إلا أن تفهم شروطهم القاسية التي عانوا منها لمدة
سنوات وما كان منه إلا أن تعهد كذلك على مشاركتهم مجموع النضالات التي من المفروض
خوضها إيمانا منه بعدالتها وتمشيا مع تحليلنا نحن الطلبة القاعديين الذي ينص على
كون النضال السجني ليس إلا استمرارا للنضال الطبقي في أحد أوجهه المتعلقة بالنضال
من أجل انتزاع الحريات الديمقراطية كتكتيك ضروري لفضح طبيعة النظام الفاشية و اللاديمقراطية
والتي شهدت لها قوى العمالة والإصلاح بأنها تعيش مسلسلا تحوليا أسمته بـ ”المسلسل
الديمقراطي”.
ومن خلال هذا التصور انتزعنا إلى
جانب مجموع الحركة الديمقراطية الثورية بالمغرب، الاعتراف بالمعتقلين السياسيين
وإطلاق سراح بعضهم قبل انتهاء مدة الحكم، ثم الاعتراف كذلك بجمعيات ومنظمات شرعية
تدافع عن حقوق الإنسان ودفاعنا كذلك عن الموقف المتعلق بالرفع بالاعتقال السياسي
لمستوى القضية ضمن قضايا التحرر الأخرى التي يجب أن تتجند لها كافة القوى التحررية
بالمغرب، عوض الموقف الناقص والمشوه للقضية والذي اعتبرها ولا زال يعتبرها كظاهرة
ضمن الظواهر الأخرى، وهذا نقاش سنتعرض له في مكان آخر عسى أن تتجند
الأقلام الشريفة لفضح خلفياته النظرية والطبقية التي تحاول أن تبث الغموض ببعض
القضايا الجوهرية والمرتبطة بمسلسل الثورة العام مسلسل الثورة الوطنية الديمقراطية
الشعبية، لتضفي عنها صبغة المكتسبات التي من الممكن تحقيقها بفضل النضالات
الجماهيرية ضمن هذا الوضع الطبقي القائم.
كانت مدة حكم شباضة هي سنة فقط
وكان بإمكانه أن يوفر قواه إلى أن يغادر السجن الصغير ليلتحق بالسجن الكبير ضامنا
استمرارية النضال دون هوادة في مواقع أخرى تعطي ثمارا أكثر لكنه رفض وعاند وفضل
الاستشهاد من أجل قضية المعقل السياسي وكرامته، من أجل حقه في العيش الكريم في
شروط إنسانية داخل السجن.
استشهد عبد الحق بعد 64يوما من
الإضراب عن الطعام لينضاف لشهداء الطلبة القاعديين التامك، بلهواري، الدريدي
ولشهداء الحركة الماركسية اللينينية زروال سعيدة رحال والمنتصر، ولشهداء الحركة
الديمقراطية الثورية المهدي، دهكون، بنجلون وكرينة…الخ.
تقنيات التصفية لهؤلاء الشهداء
لابد وأنها تختلف من هذا الشهيد لذاك إلا أن ما ابتغاه النظام الفاشي من تصفية
هؤلاء المناضلين ألا وهو إيقاف عطاءاتهم النضالية على مستوى الساحة الوطنية، تحول
إلى فعل نقيض لذلك إذ تحول الشهداء إلى رموز وطنية وأحيائهم الشعبية لقلع نضالية
وذكريات استشهادهم فرصا لإحداث هزات لأركان النظام المهترئ وسنعمل بجهد واستماتة
نحن الطلبة القاعديين على المزيد من تمريغ النظام في وحل هذا المأزق النتن والتي
حاولت القوى الإصلاحية والتحريفية إنقاذه منه خوفا على ”سمعة البلاد” التي ليست
سوى سمعة النظام ”وديمقراطيته”، عفوا فاشيته، وسنفضح كذلك كل الأبواق الإصلاحية
التي تطالب بالسكوت عن واقع الجماهير وواقع المعتقلين السياسيين وواقع الحركات
المناضلة، خوفا على سمعة البلاد.
بذلك وقعت حكاية تشبث غريق بغريق
ليصبح الغريق غريقان بل جوقة من الغرقى ومن جهتنا سنعمل جادين على غطس الجميع في
مستنقعات الوحل هذه وذلك بفضح النظام وكل مظاهر القمع وبكافة الأشكال الضرورية
سواء المتاحة جماهيريا أو المفروضة سريا وعملنا في تصاعد مستمر لا توقفه
الاعتقالات ولا المحاكمات ولا الاغتيالات ولا النفي، ومواقفنا ثابتة داخل مخافر
المخابرات السرية ومن داخل قاعات المحاكم ومن داخل زنازين السجون التي فاق عددها
عدد الجامعات والمستشفيات الكبرى وقاعات المسرح ودور الشباب…الخ.
لنختم بشعارنا الخالد نعم سنموت
ولكننا سنقتلع القمع من أرضنا.
وعاشت نضالات
المعتقلين السياسيين
عاشت نضالات أمهات
وعائلات المعتقلين السياسيين
عاشت نضالات القوى
الديمقراطية الثورية بالداخل والخارج.
من مقال لأحد الطلبة
القاعديين سبق أن نشرته مجلة الشرارة الطلابية بعيد استشهاد الرفيق عبد
الحق شباضة سنة 1989.
0 التعليقات:
إرسال تعليق