الأربعاء، 13 يوليو 2016

السجن المحلي عين قادوس –فاس // المعتقل السياسي: محمد القشقاشي : الجزء الثاني من : رسالة مفتوحة إلى الرفاق و الرفيقات و الجماهير الطلابية وكل المناضلين(ت) الشرفاء.

السجن المحلي عين قادوس فاس                             في 7 يوليوز 2016
المعتقل السياسي:  محمد القشقاشي
رقم الاعتقال: 140

اعتذار: اسمحوا لي في البداية أن أتقدم للجميع باعتذاري عن تأخر هذا الجزء عن الجزء الأول لمدة ليست بالهينة نظرا للوضعية السجنية ولأسباب وعوامل خارجة عن الإرادة... إن الأهم هو أن يرى هذا الجزء النور.
الجزء الثاني من : رسالة مفتوحة إلى الرفاق و الرفيقات و الجماهير الطلابية وكل المناضلين(ت) الشرفاء.
في مجتمع تنخره التناقضات الطبقية، مجتمع يسود فيه استغلال الإنسان للإنسان، حيث التناقض ما بين تحالف طبقي مسيطر يقوده نظام عميل ولد في أحضان الإمبريالية العالمية، وكانت مؤامرة إيكس-ليبان 1955 هي المدخل لتثبيت وجوده كأداة بيد الإمبريالية للسيطرة على خيرات ومقدرات بلادنا، وما بين تحالف شعبي يطمح إلى التحرر و الانعتاق، وهو - ومن أجل ذلك-  قاوم ولازال يقاوم، قاوم الاستعمار الفرنسي والإسباني المباشر، إذ رسمت المقاومة وجيش التحرير  خلال هذه المرحلة ملاحم بطولية تاريخية، قاوم الاستعمار الجديد و فجر انتفاضات مجيدة (1958/1959، 1981، 1984، 1990، 2005، 2007، 2011... ) قدم من خلالها أسمى التضحيات، ولازال وسيظل مقاوما مادام هذا النظام العميل جاثما على صدور المقهورين و المحرومين، ومدام الطموح المنشود لم يحقق بعد، أي بناء سلطة الشعب كمعبر نحو المجتمع الإنساني اللاطبقي.
و الحركة الطلابية كجزء لا يتجزأ من الحركة الجماهيرية، ساهمت تاريخيا،  في فترات المد كما في لحظات الجزر في نضالات الشعب المغربي، سواء من خلال خوضها معارك قوية وطويلة النفس، أو مساهمتها الفعالة في انتفاضات ومعارك الجماهير الشعبية  بمختلف فئاتها، فالأولى جزء من الثانية ولذلك فنضالات الحركة الطلابية تصب في نضالات حركة التحرر الوطني، وأهدافها تنسجم وأهداف هذه الأخيرة. وبهذا الفهم خاض القاعديون صراعهم وقبلهم الجبهويون، وقادوا نضالات الحركة الطلابية وساهموا ميدانيا و سياسيا في نضالات الحركة الجماهيرية.
إن موقع الحركة الطلابية في معادلة الصراع الطبقي بالمغرب، والدور البارز للنهج الديمقراطي القاعدي في الساحة السياسية وتبنيه خط الثورة و التشبث به و الدفاع عنه جعله عرضة لهجمات النظام وحلفائه و لكل أنواع الاستهدافات  التحريفية منذ نشأته وخلال تاريخه الكفاحي المتميز، و في الإطار حيكت ضده العديد من الدسائس و المؤامرات- ناهيك عن الهجمات المباشرة -،أبرزها مؤامرة 24 أبريل 2014 التي نفذت في وضع ميزه الحضور النوعي لهذا التوجه في أهم المحطات البارزة لنضالات الشعب المغربي ومنها انتفاضة  20 فبراير وتشبثه بمطالبها وأهدافها التحررية وشعارها " الشعب يريد إسقاط النظام " رغم القمع الأسود المسلط على الجماهير الشعبية وتراجع من كان يدعي الدفاع عن هذا المسار في لحظات المد الجماهيري، بل و التنكر له و انتقال البعض إلى صف النظام والمساهمة في تمرير مخططاته و الدعاية لشعاراته الجوفاء ( الدستور الممنوح 2011، الانتخابات/ المهزلة 25 نونبر 2011،...) في وقت كانت فيه دماء الشهداء لم تجف بعد والسجون تغص بمعتقلي الانتفاضة.  وكذا قيادتها لنضالات الحركة الطلابية التي استطاعت إفشال مجموعة من مخططات النظام من خلال معارك قوية وخلق الآليات المناسبة لتصريف ذلك في ارتباط وثيق بنضالات الشعب المغربي.
ومن أجل تدبير أزمته البنيوية وإطالة عمره وبالتالي الحفاظ على مصالح الإمبرباليين وخلق " الجو المناسب" لاستثمار رؤوس الأموال الأجنبية بالبلاد واستغلال اليد العاملة وتدمير طاقات أبناء وبنات الشعب المغربي، كان لزاما عليه ( النظام) إجهاض أي تطور نضالي واجتثاث كل صوت حر يعارض مشروعه الاستعماري هذا، وفي مقدمة ذلك نجد النهج الديمقراطي القاعدي،  سيما وأنه عجز عن احتوائه وجره إلى مستنقع شعاراته البراقة، كما لم يستطع القضاء عليه عبر الضربات المباشرة، فخطط بدقة لمؤامرة 24أبريل  انسجاما وتاريخه المليء بهذا النهج الإجرامي بدءا بالمؤامرة الخيانية " إيكس ليبان " فوجد حليفته "القوى الظلامية" التي نفذت مخططه في واضح النهار و بسبق الإصرار و الترصد طيلة أسبوع من الترتيب لارتكاب المجزرة حين كان المناضلون و الطلبة منهمكون في التعبئة و الترتيب لعقد النقاش الموسع التقييمي الذي كان من المزمع عقده يوم الخميس 24 أبريل زوالا بالساحة الجامعية بعد أشواط متقدمة من المعركة النضالية وتطورات المبيت الليلي الذي دام أزيد من أربعة أشهر بكلية العلوم و الأشكال الموازية له ( إضرابات عن الطعام، الأمسيات الفنية الملتزمة، القافلة التضامنية الوطنية يوم 9 مارس، ندوة 27/28 مارس...) و الأشكال النضالية المتميزة كذلك التي خاضتها اللجان النضالية الأوطامية طيلة أسبوع العطلة بأزيد من 13 مدينة و بلدة، حيث كان مطروحا تقييمها و فتح المجال و الآفاق أمام معركة ذات بعد وطني على أرضية ملفات مطلبية واضحة.
هكذا وفي هذا السياق نفذت مؤامرة الإعدام في 24 أبريل و التي تم تغليفها بالندوة الوهمية بحضور أحد قتلة الشهيد محمد آيت الجيد بنعسى، خلفت جرحى وإصابات عديدة وعشرات من المعتقلين السياسيين من خيرة مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و النهج الديمقراطي القاعدي وفرض واقع القمع و الإرهاب على الجامعة و الجماهير الطلابية عبر توالي الاعتقالات و الاختطافات و التدخلات القمعية للجامعة وخارجها. اقتحام القوى الظلامية لمنازل الطلبة و الاعتداء عليهم و الوشاية بهم و بمكان سكناهم للأجهزة الاستخباراتية، والهجوم على الأشكال النضالية لأوطم و الاعتداء على المناضلين/ت و الطلبة و الطالبات، في واقع اجتياح أجهزة "الأواكس" لأرجاء الجامعة موازاة مع التطويق القمعي اليومي لكل المنافذ لتسهيل اعتقال المناضلين ومنع أي تحرك نضالي من لدن الجماهير. ومن أجل استكمال المشهد سيشن هجوم إعلامي خطير و غير مسبوق من طرف الأبواق و المؤسسات الرجعية على الحركة الطلابية و إطارها العتيد أوطم وتوجها الكفاحي النهج الديمقراطي القاعدي، بغيت تجريمها وتيسير اجتثاث فعلها النضالي، وفي السياق نفسه شن النظام " قانون" تجريم الفعل النضالي بالجامعة تحت يافطة " محاربة العنف الجامعي " كمدخل لاستهداف الفعل النضالي بمجموع المواقع الجامعية وكل مناصري خط الجماهير وحاملي مشروع الثورة ببلادنا. كما تم تعريض المعتقلين السياسيين لأبشع أنواع التعذيب بمخافر القمع و الزج بهم في غياهب السجون مع فرض الحصار عليهم ومنع أي تواصل معهم من لدن المحيط الخارجي وتفريقهم في السجن من أجل عزلهم. وايمانا منهم بعدالة ومشروعية قضيتهم، وفي عز الحظر و القمع الشرس، وفي وضع كانت تستحيل فيه حركات المناضل، كان النزول إلى الميدان أمر حتمي ولو تطلب ذلك التضحية بالحياة، فقد نزل المناضلون لإنجاز مهامهم وكلهم ثقة وعزم على أن لا تمر مؤامرة النظام وأعداء الحركة، وكلهم يقين بأنهم سيتواجدون بالساحة ورقابهم تحت سيوف قوى الغدر و الظلام وأجسادهم بين وحوش النظام وأغلال وهراوات "الأواكس" متيقنين بأن  لا حصانة لهم غير الجماهير التي استمرت في معركتها وأشكالها النضالية داخل أوطم رغم واقع الإرهاب، وتشبثت بمعتقليها السياسيين رغم محاولة عزلهم و تجريهم، وكان للرفيقات و الطالبات الدور الأهم في كشف وفضح أولى خيوط المؤامرة رغم التهديدات و المطاردات التي تعرضن لها، بالاستمرار في المعركة النضالية وخوض الأشكال الكفيلة بتطويرها وتحصين مكتسبات الجماهير، و الاستمرار كذلك في المبيت الليلي و توسيعه إلى الساحة الجامعية رغم التدخل القمعي منذ اللية الأولى من تجسيده، وخوض الأشكال النضالية بالكليات و الحي الجامعي الثاني إناث، وكذلك خارج أسوار الجامعة ( المناطق التي ينحدر منه المعتقلين السياسيين، أمام المحاكم الرجعية، أمام سجن عين قادوس، وبمختلف المدن و البلدات المغربية،...) التي ساهمت كذلك في تكسير الطوق الإعلامي المضروب على ظهر المهراز ومناضليها وجماهيرها و معتقليها السياسيين. بالإضافة إلى تنظيم عائلات المعتقلين السياسيين. القوة التي انضافت إلى المقومات الإيجابية و المهمة للمعركة، وكان لاستماثة المعتقلين السياسيين بالسجن وخلال المحاكمات الصورية، وخوضهم لإضرابات بطولية عن الطعام وأشكال نضالية متنوعة، ومساهمتهم الكبيرة بتوجيهاتهم وأفكارهم السديدة، دور كبير ومهم، في قلب ذلك الجو الرهيب و الحصار المضروب عليهم على كل المستويات وأيضا صمودهم في وجه الآلة الإعلامية التي حاولت جاهدة تقديمهم في صورة "مجرمين" للرأي العام بغية إعطاء النظام المشروعية لتنفيذ باقي أشواط المؤامرة في أريحية تامة.
الشهيد مصطفى مزياني نموذج المناضل القاعدي.
مهما بذلنا من جهد لن نتمكن من إنصاف الشهيد حقيقة، بالمقابل مهما حاول أي كان النيل من مصطفى مزياني كمناضل أو شهيد، لن يستطيع محو اسمه من التاريخ كما لن يستطع نزعه من صفة القاعدي و الثوري الحقيقي. فكلنا أمل وطموح للوصول إلى قناعاته الراسخة وكفاءاته النضالية العالية أو على الأقل إلى خصاله النضالية وأخلاقه الثورية ونضجه ومبدئيته.
منذ أن التحق بالجامعة، عاش الرفيق حياة نضالية رفيعة بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب وحمل على عاتقه الدفاع عن/ والتجسيد العملي لمواقف وتصور الطلبة القاعديين وبذلك اعتنق هموم الكداح و المقهورين وساهم بشكل فعال في عدة محطات نضالية للشعب المغربي. من عايش الرفيق يعرف معنى النضال السري والجماهيري ويعرف كذلك قيمته وشخصيته، فقد ناضل في صمت بعيدا عن الثقافة البرجوازية و البرجوازية الصغيرة، بعيدا عن النجومية وحب الظهور، ولما حان الوقت وظهر شامخا ووضع حياته قربانا للنهج الديمقراطي القاعدي ولخط الثورة. نتذكر هنا كلماته الأخيرة خلال القافلة التضامنية الثانية إلى ظهر المهراز " أخوض إضرابي المفتوح عن الطعام دفاعا عن مطالب الطلاب،... ودفاعا عن النهج الديمقراطي القاعدي"  فكان بذلك يعي ما يقول ويعرف جيدا ما يتعرض له هذا التوجه. قال: " سننتصر لأننا وسط الجماهير،... سننتصر لأن الجماهير ستنتصر "، استمر في معركته خارج وداخل السجن إلى أن أعلن ميلاده الجديد يوم 13 غشت 2014. وخلال معركته صمد في وجه إعصار النظام و الظلام رغم تساقط العناصر الضعيفة أمامه، فكم من الصعب أن تصمد في هذا الوضع وأنت تتعرض للتجريم و التشكيك في إضرابك عن الطعام من طرف الأعداء وحي من طرف الأصدقاء المزيفين.
كنت مخلصا يا رفيقي لخط الجماهير، لخط الثورة، لتاريخ القاعديين، لخط الشهداء، شهداء الشعب المغربي و الحركة الطلابية و في مقدمتهم شهداء النهج الديمقراطي القاعدي ( الدريدي، بلهواري، شباضة، بوملي).
في هذا الوضع، واستمرارا في نهجه الإجرامي و مخططه الرامي إلى اجتثاث الفعل النضالي بالقلعة الحمراء و من ثم باقي مواقع النضال سيدشن النظام القائم الموسم الموالي ( 2014/2015 ) هجوما قمعيا مباشرا و مسترسلا على أبسط تحرك نضالي. إلا أن صمود الجماهير  بمناضليها ومناضلاتها كسر هذا الرهان، واستطاعت الحركة الطلابية إجهاض هذا الهجوم وتجدير فعلها النضالي بالموقع وخلق دينامية نضالية بمواقع أخرى ومنها موقع سايس الذي عرف تحولات هامة و بارزة عرفت صدى وطنيا، بالمقابل حاول كل من له مصلحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه، حاول جاهدا إيقاف المد النضالي بشتى الطرق و الوسائل. ليستمر الوضع على هذا النحو، فمن جهة صمود الجماهير و تفاني المناضلين(ت) المخلصين لقضايا الشعب المغربي بتطوير المعركة النضالية ضدا على مخططات النظام ومنها "المخطط الاستراتيجي"، وتجسيد محطات نضالية هامة وكذا المساهمة الفعلية و الفعالة في نضالات الشعب المغربي بكل فئاته، ومن جهة أخر محاولات إجهاض هذا المسار من طرف النظام وأجهزته القمعية، و الهجومات الغادرة للقوى الظلامية في مرات عديدة تزامنت معظمها مع بداية و نهاية الموسم الجامعي ومع المحاكمات الصورية للمعتقلين السياسيين، ومثلها تقريبا مارسها بعض الموتى سياسيا عبر عرقلة ومحاولة إجهاض المعركة النضالية و الهجومات المسلحة على المناضلين و الجماهير الطلابية سواء بظهر المهراز أو سايس بتوجيهات سامية مباشرة و غير مباشرة من طرف الأجهزة الاستخباراتية للنظام.
إن صمود الرفاق(ت) و الجماهير الطلابية، بتقديم أغلى ما أنجبته تجربة الطلبة القاعديين عربونا وفداء للتاريخ المشرق لهذا الأخير، وتشبث أب الشهيد بقضية ابنه وحضوره لجل المحطات النضالية و لمجموعة من المواقع الجامعية، دون أن ننسى المساهمة الفعالة للمناضلين المخلصين، وكل ذلك ساهم في هذا المسار النضالي الهام للحركة الطلابية وارتباط وثيق بالحركة الجماهيرية، وبلورة معارك نضالية قوية  مؤطرة  بشعار " المجانية أو الاستشهاد " وعلى ملفات مطلبية واضحة وشاملة.
وبحكم الموقع المتقدم للحركة الطلابية بقيادتها السياسية و العملية النهج الديمقراطي القاعدي، داخل معادلة الصراع الطبقي بالمغرب، فقد ساهم الكل من موقعه اتجاهها، إما بالدفع بمسارها النضالي إلى الأمام و بالتالي بالمسار التحرري ككل، وكانت الضريبة كبيرة لأصحاب هذا المبدأ، ومحاولة إجهاضها فوجد أصحاب هذا الخيار موقعهم إما في أحضان النظام أو مزبلة التاريخ.
لعل الجميع عايشوا المستوى المتقدم الذي عرفته المعركة النضالية منذ بداية هذا الموسم رغم واقع الاجهازات و الهجومات المكثفة على الجامعة المغربية عامة وظهر المهراز خاصة، حيث تمت بلورة أشكال نضالية نوعية و متنوعة على أرضية ملفات مطلبية شاملة صيغت جماهيريا خلال حلقيات ونقاشات موسعة بالكليات و الساحة الجامعية وكذا بباقي المواقع ( سايس، تازة،...) وازتها مسيرات عارمة داخل و خارج الحرم الجامعي تعاطى معها النظام بلغة الحديد و النار ولعل التدخل القمعي ل1 دجنبر 2015 لخير دليل على ذلك استعمل خلاله الجرافات و القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه...، ثم المسيرة الحاشدة التي انطلقت من ظهر المهراز مرورا بكلية الآداب و الحيين الجامعيين إناث و ذكور سايس نحو رئاسة الجامعة موازاة مع الحضور الوازن بالمسيرة الوطنية للأساتذة المتدربين بالرباط، و في هذا السياق تم اعتقالي يوم 19 دجنبر 2015، سبقه اقتحام المنزل بمسقط رأسي بغفساي و تهديد عائلتي بالاعتقال بل واعتقال أخي الأصغر و استنطاقه طيلة اليوم ثم إطلاق سراحه ناهيك عن السب و الكلام النابي في حق أفراد عائلتي.
 19 دجنبر 2015 : تتبع... تطويق... مطاردة... ثم استنطاق و اعتقال.
طيلة الأسبوع قبل الاعتقال كانت حركة بعض العناصر الغريبة غير عادية سواء بالجامعة أو خارجها، وبمحيط المنزل الذي كنت أتوجه إليه لماما تم استقدام مجموعة من العناصر الاستخباراتية ( نادل بإحدى المقاهي، حارس ودادية، عناصر استخباراتية في صورة مراهقين على متن درجات نارية...). ويوم السبت 19 دجنبر كان محيط المنزل مطوقا عن أخره منذ الصباح الباكر، وحين أردت الخروج انطلق أربع كلاب بشرية في مطاردتي فيما اعترضني سبعة أخرين من الاتجاه المعاكس و لما حاولت مقاومة همجيتهم ضربني أحدهم بعصى كهربائية أردتني أرضا، فيما استطاع الرفيق جابر الرويجل الإفلات من قبضتهم. وبعد تكبيلي إلى الخلف أرجعوني إلى المنزل و هناك حوالي 43 عنصر قمع بزي مدني  دون العناصر التي صعدت سطح المنزل، وعدة سيارات مدنية ( سيارة رباعية الدفع سوداء، partner بيضاء، dacia، سيارة قمع " الأمن الوطني"...)، اقتحموا المنزل رغما عني و هناك بدأ استنطاقي إلى جانب طالبين تم تكبيلهما و الاعتداء عليهما و ممارسة كل أنواع التعذيب النفسي و الجسدي علينا جميعا... لقد تحول المنزل إلى مخفر للتعذيب. في ما تم تفتيش هذا الأخير بطريقة همجية ونهب كل ما بداخله من ممتلكات (أربع حواسب، هواتف نقالة، كتب و مراجع، ملابس، نقود،...). وبعد مرور حوالي الساعة انطلقوا بي بسرعة فائقة مرددين عبارة " شدينا داعش " طيلة المسافة الفاصلة بين المنزل و ولاية القمع. هناك بدأ شوط ثاني من الاستنطاق و المعاناة.
دروس وعبر بسيطة.
يبدأ الاستنطاق و التعذيب من خلال اللحظة الأولى لاعتقالك. وقد يسألونك عن محل سكنى رفاقك، أو عن أغراضك و أغراض رفاقك المهمة، يبحثون في هاتفك ومحتوياته ( خاصة المكالمات و الرسائل النصية)، وعن تحركاتك و تحركات رفاقك تكون هذه المرحلة مهمة بالنسبة للمخبرين وجب تجاوزها بنجاح وتجاوزها أمر سهل عبر الصمت ( إنها فترة قصيرة ).
عند إدخالك الولاية تبدأ عملية الاستمالة، هي مرحلة تمهيدية يتم من خلالها تحضير المعتقل للمرحلة المقبلة، عبر تهديدك أو إغرائك أو فتح مجال المزحة معك، فلا تثق، تذكر أنك أمام المحقق، أي أمام العدو.
سيحاولون إقناعك بأن رفاقك اعتقلوا كلهم وأنهم انهاروا وخانوك و اعترفوا بكل شيء، لا تكترث لهم، ضع أمامك الاحتمال الأسوء، أن الكل انهار وخان؟! فاصمد أنت. أمامك تحديان على الأقل: الصمت طيلة الاستنطاق و عدم إمضاء المحضر. وإذ لم تستطع فاتبع بعض الطرق:
-    سيبدؤون معك ب "CV" الخاص بك ( الحالة العائلية، الحالة الاجتماعية، المسار الدراسي،...) حاول أن تجتازها في أطول مدة ممكنة : فكر طويلا قبل الإجابة ولو كانت الأسئلة سهلة و بديهية، أجب عن السؤال ثم تراجع عنه وصححه، أجب بطرح سؤال،...
-    سينتقلون إلى مسارك النضالي. أجب ب لا أعرف " سبق الميم ترتاح " إذ لم تستطع أجب بالعمومية أو ابتعد عن السؤال المطروح، لا تبالي بأسئلة الجلاد و أطلق مخيلتك بالتفكير في مواضيع و أحداث بعيدا عن أسئلتهم.
-    أرفض الإجابة عن الأسئلة التالية : كم عدد الرفاق، هل تعرف فلان، ما مهمتك، ما مهمة فلان، من يفعل كذا ومن يفعل كذا... تشبث بالإنكار مهما كلفك ذلك. إذ أجبت عن السؤال الأول فلن تنتهي أسئلتهم.
-         قد يقولون لك بأنهم يعرفون كل شيء عنك و عن رفاقك، إنهم يكذبون فلا تثق بهم، فإذا كانوا يعرفون كل شيء فلا داعي للاستنطاق.
-     قد يسمعونك بعض المعطيات. لا تعرها أية اهتمام. قد تكون صدفة أو معطيات عامة وعادية يقدمونها لك شكل معطيات سرية.
-        افرض شخصيتك القوية.
-        كن هادئا، وإذا لاحظت النرفزة بادية على المحقق فتأكد أنك نجحت في المرحلة.
-    قد يطرحون عليك سؤالا وبعد مدة يكررون نفس السؤال، فكن حذرا و ركز جيدا، وإذا  سقطت في الفخ حافظ على ثقتك بالنفس و تفادى الارتباك.
-    سينتقلون إلى أسلوب أخر عبر إعطائك النصائح أو إغرائك و التعامل معك بلطف كبير. تأكد بأنك نجحت في المرحلة الأولى، فانطلق قويا في هذه المرحلة دون أن يصيبك الغرور، فالغرور قد يكون في صالح عدوك.
-        سيمدونك بالسجائر، إذا قبلت منهم فتأكد أنك قبلت السم.
-    قد يطحرون معك موضوع نظري أو سياسي أو... لا تشاركهم النقاش. تذكر أنهم أمامك لجمع المعلومات لتقديمها لمرؤوسهم وليس للجدال أو النقاش.
-    إذا انتقلوا للضرب و التعذيب الجسدي فتأكد بأنهم فشلوا فاستمر في صمودك ونهجك، إنها المراحل الأخيرة، وخلال هذه العملية لا تنبس بكلمة أو قم باستفزازهم، حينئذ قد انتقلت لتعذيبهم. اصمد قليلا واعلم أن نهجهم هذا سينتهي وأنه لديهم أوامر بعدم تجاوز الحد المخول لهم، وهم ليسوا أحرار في عملهم. وإذا لاحظت أن عصبيتهم ازدادت تأكد بأنك هزمتهم و أنها فرصتك الأخيرة و المهمة للانتصار عليهم، فلا تفوتها.
-        كلما ربحت الوقت تكون قد اقتربت من الانتصار، لأنهم محكمين بالوقت، وأنهم ملزمون بتقديم المعلومات المطلوبة لمرؤوسهم وعند فشلهم في ذلك سينهارون. لا تمضي على المحضر دون الاطلاع عليه و من الأحسن و المهم عدم الإمضاء عليه نهائيا. قد تعترضك عقبات أخرى وقد تتعرض لإجراءات و أساليب أخرى، لن تعرفها إلا خلال تجربة الاعتقال.
-    تشبت بمواقفك ومبادئك، صارع و لا تهادن. واستمر في تضحياتك من أجل رفاقك و من أجل الجماهير و من أجل الثورة... فلا تخنها. بل انتصي قويا أمام الجلادين، إنك فعلا قوي أيها الرفيق و يضرب لك ألف حساب.
لقد مرت اليومين بولاية القمع كلها استنطاق و تعذيب بقيادة أكبر الجلادين " عزيز السويري " و المسميان " حميد" و "يونس" و أخرين فمعظم الوقت مر بمكاتب/مخافر الاستنطاق بدون نوم أو أكل، وهي عملية مقصودة من أجل إنهاك المعتقل وتسهيل عملية استدراجه و بالتالي الوصول إلى مبتغاهم.
يوم الاثنين 21 دجنبر 2015 سيتم تقديمي لأولى أشواط المحاكمات الصورية ثم الزج بي بالسجن المحلي عين قادوس. هناك التقيت رفاقي حيث قدموا لي كل المساعدات، مرت ثلاثة أشهر الأولى من الاعتقال كلها محاكمات صورية طبعتها المهازل، إلا أن حوكمت ب ستة أشهر نافذة بتهم ملفقة، ثم تخفيضها إلى ثلاث أشهر و غرامة مالية ألف درهم. إنها تجربة هامة لما لها و عليها، فأن تتواجد مع رفاقك بزنزانة واحدة وأن تتقاسم معهم الأفراح و الأحزان أمر مهم جدا، لقد تميزت هذه الفترة أيضا بالاعتقالات المكثفة حيث فاق عدد المعتقلين السياسيين الستين بسجن عين قادوس، إلى أن تم ترحيلهم و تفريقهم على سجون الذل و العار. بعد تنفيذ المقصلة في حق رفاقنا معتقلي مؤامرة 24 أبريل الدنيئة، و المحاكمات التاريخية في حق المعتقلين السياسيين الـ 29، التي حولوها إلا محاكمات النظام و ممثليه، فكان منطق الانتقام سيد الموقف حيث تراوحت الأحكام الصادرة في حقهم بين السنتين و الأربع سنوات. وبفضل معركة الأمعاء الفارغة معركة "انتفاضة السجون لمعتقلي النهج الديمقراطي القاعدي " التي خضناها في شروط حالكة تحت شعار "نكون أو لا نكون على درب الشهيد مصطفى مزياني سائرون " تم فرض تخفيف الأحكام القاسية إلى ثلاث أشهر و نصف و خمسة اشهر، فيما تم إطلاق سراح أزيد من 30 معتقل سياسي، فكانت بمثابة النتائج الأولى للمعركة التي لا زالت مستمرة وستظل كذلك.
ختاما نقول رغم قسوة الحياة الاعتقالية ووحشية السجان، إلا أن صدق الانتماء و تطور تجربة الاعتقال لما لها و ما عليها تحول المعتقلات إلى قلاع ثورية تخرج المناضلين بقناعات أكثر صلابة، تستطيع عكس تجربتها في المضمون و الممارسة في مجالات كثيرة، في ساحات العمل الثوري ووسط الجماهير في الميدان، كما يمكن أن تخرج أناس نخر السجن عقولهم وجعلهم لقمة صائغة في أيدي العدو.
إن التجربة التي نتحدث عليها عنوانها المواجهة و الصمود أمام الجلادين خصوصا في لحظات الحصار الشديد وغياب الدعم السياسي و الإعلامي لقضية ووضع المعتقلين السياسيين التجربة التي تصنع نبراس البطولة و التضحية وتسطر تاريخا مشرقا وواعدا كتبت حروفه بالدم و المعاناة، بالصمود و الإرادة الفولاذية، تاريخ كتبت حروفه بالجوع و الأمعاء الفارغة، تاريخ مضيء ليبقى محط اعتزاز لمن كتبوه بدمائهم، لمن صنعوه ومن ساندوه، لمن أنجب أبطاله، تاريخ الثورة وإرادة الخلاص، جنوده الشعب الأبي و أبطاله الشهداء و المخلصين من المعتقلين السياسيين، التاريخ الذي سيبقى محفورا في الذاكرة، تتناقله الأجيال بكل فخر ليصوغ إكليل الرفعة و القداسة على جبين كل من اعتقل و عانى عذابات السجان، الذي سيبقى أيضا عوضا عن تجارب وذكريات مريرة و مفاخر تذوي بذاكرة عائلات هؤلاء الأبطال و رفاقهم وأصدقائهم وشعبهم، إننا نكره ونهاب تاريخ الذل، تاريخ أولئك الذين خانوا القضية و رفاقهم و جماهيرهم، من خذلوا وبايعوا على دم الشهيد وعذابات وتضحيات المعتقلين، ومن خذلوا العهد على الثورة خلال الاعتقال وبعده، إن الحفاظ على المبدأ و الموقف و القضية داخل السجن لن يكون بدون ثمن، بل كان وسيظل ثمنه الشهداء، تعرض المعتقلين لشتى الإجراءات القمعية كالعزل و التفريق على السجون و الحرمان و المحاكمات الصورية و الضغط عليهم و على عائلاتهم وتعريضهم لأبشع أنواع التعذيب التي تقشعر لها الأبدان... لكن في الأخير سيكون النصر هو الحليف حتما، أما من انحنى أمام الجلاد وتخاذل فالهزيمة ستلاحقه مدى الحياة، سيخسر كل شيء، سيخسر رفاقه وجماهيره وعائلته وأصدقائه...وكرامته، وفي الأخير سيبيع نفسه بلى شيء لا أن قوته ستكون نفذت وقواه هي قناعاته و انتمائه و مبادئه التي اعتقل من أجلها.



0 التعليقات:

إرسال تعليق