05 يوليوز 2018
المعتقل السياسي:
عبد الوهاب الرماضي
" بصدد الأحكام الصادرة في حق معتقلي
الحسيمة "
مقاصل النظام حصدت
عشرات، بل مئات الأعناق، و وزعت القرون من السجن، و تقول هل من مزيد، مجسدة
الاستمرار البشع و الساخر كما سمي "بسنوات الجمر و الرصاص"، و الترجمة
الفعلية لأطروحة " الاستقرار" و "الاستثناء المغربي"، نعتقد
أن هذا هو أبلغ تعبير عما حصل، بإصدار الأحكام و ما تلاها.
لقد تعددت الأدوار
و اختلفت الدروب، و كان الهدف واحد، و تعدد الفاعلون و كانت الجريمة واحدة، إجهاض
أي حلم و أي أمل لشعبنا في غد أفضل يصون كرامته و كرامة أبنائه. لقد تكاثفت جهود
الجلاد بسوطه، و الكاهن "بطلاميسه"، و الشوفيني بأطروحته العنصرية
الكاذبة، و البارونات العملاء بأجنداتهم و المشبوهة...لأجل هدف واحد، إفراغ
انتفاضة الشعب بالريف من مضمونها و تشويهها، و المسلسل ذاته لازال مستمرا إلى
اليوم، و لم تكن مقصلة ليلة 27 يونيو بالدارالبيضاء سوى حلقة من حلقاته.
ذلك أن الأحكام
الصورية القاسية، لم تكن بدون سياق، بل سبقتها عمليات قيصرية عديدة، استعمل فيها
آخر ما جد و استجد في عالم التخدير و الجراحة، تداخل فيها السياسي و الديني و
التاريخي و الاثنوثقافي، وسبقتها ترتيبات عدة كان من أهمها ضبط الوضع على الأرض
بلغة الحديد و النار، و عزل ملف المعتقلين السياسيين عن الأرضية و المسار
الحقيقيين اللذان على أساسهما جاء الاعتقال. فهذا الأمر هو أحد أهم أهداف الاعتقال
السياسي و رهاناته، فإن نجح النظام في تغييب أرضية الاعتقال و إسقاط المعركة
الأساس من خيارات النضال، يكون قد نجح إلى حدود كبيرة في مهمته، و يسهل عليه إصدار
الأحكام التي يريدها،و هذا هو الأمر هو ما حصل مع انتفاضة الريف ، إذ بفعل تدخل
أطراف عدة، أصبح الأمر و كأنه متعلق فقط بقضية اعتقال سياسي و معتقلين سياسيين، بل
الخطير أن الأمر وصل حد عزل مجموعات المعتقلين عن بعضها و سلطة الأضواء على مجموعة
بعينها، و هذه خطوة مقصودة و مدروسة لستر الركن الأعظم من الجريمة، ف 20 و 15 و 10
سنوات لم توزع حتى ليلة 27 يونيو، بل وزعت قبل ذلك على العشرات من المعتقلين
السياسيين "بمحاكم" الحسيمة، و تم تشتيتهم على سجون بعيدة في جو من
الصمت و التعتيم، و قرون السجن وزعت قبل ذلك على المئات و المئات من المعتقلين،
فالحصيلة الحقيقية تقدر بالعشرات من قرون السجن.
و بهذا المعنى
نقول، حين أجهض النظام مسار الانتفاضة و عمل تشويهها، ونجح بمساعدة أطراف أخرى في
توجيه الأنظار صوب ملف المعتقلين السياسيين، بل صوب ملف مجموعة بعينها، فلم يكن بالإمكان
توقع غير القرون من السجن.
و في الحقيقة، لم
يكن النظام لينجح في عمله، لولى مساعدة جماعات المتياسرين المتهافتة على تسلق
درجات العمالة نحو الكراسي المريحة، و المتسابقة على ما يمكن أن تجود به عليها
موائد النظام و ولائمه، وشرعن عملها
مناشفتنا الجدد الذين يجالسونهم في المقاهي و بعض "الندوات" و
"الموائد المستديرة"، فقامت بالالتفاف على المعتقلين السياسيين و
عائلاتهم، بهدف ضبط حركتهم ضمن السقف السياسي المسموح به، و زرعت الشوك بينهم و
بين المناضلين (ت) الحقيقيين (ت)، و لم تكن بعض خرجاتها المتجدرة سوى من باب إضفاء
المشروعية على عملها، و المناورة و الضغط لانتزاع مكاسب خاصة بها في علاقتها
بالنظام، و يزيد من تعميق هذا الأمر الواقع المخجل و المخزي حقيقة لمن يدعون الانتساب إلى خط التغيير الجدري، إذ
تجدهم مختبئين كالجرذان في جحورها كلما اشتد وطيس الصراع، و يظهرون في المناسبات
ليجسدون أطروحة "أنا أتجدر، إذن أنا ثوري"، أما جل وقتهم فيقضونه في
افتعال المعارك الهامشية و التشويش على المعارك الحقيقية (كثرت السموم التي نفثت
حول معركة / ملحمة الإضراب المفتوح لرفاق النهج الديمقراطي القاعدي بظهر المهراز،
أكبر نموذج)، بل يجدون ضالتهم في ممارسة هواية القتل المعنوي و السياسي للمناضلين
(ت) القابضين على الجمر، بالكذب و التلفيق و الغدر و الطعن من الخلف.
لكن، و بالرغم من
كل ذلك، يسجل التاريخ الحضور المتواصل للمناضلات و المناضلين الحقيقيين، و إن كان
حضورا محدودا بحكم ظروف الحصار، فهو يبقى نوعيا و مؤثرا، و يقدم إسهاماته المتواصلة
في تخصيب شروط الصراع الراهنة، ورسم آفاق المستقبل، بخطوات و آليات مسؤولة و
تضحيات مشهودة، و على يد كل هؤلاء نشد بحرارة، و ندعو إلى المزيد من الصمود و
التضحية، و نؤكد استعدادنا الدائم لتقديم أسمى التضحيات في سبيل قضية تحرر و
انعتاق شعبنا.
فعلا أصدرت مقاصل
النظام أحكامها الصورية و وزعت القرون من السجن، و فتحت كماشاتها معلنة انتظار
المزيد، ولم تتردد الأجهزة القمعية في تلبية النداء، مباشرةً على وجه السرعة حملة
جديدة من الاعتقالات، معلنة إصرارها على تعميق جراح الشعب المكلوم، و الأكيد أن
المستقبل يحفل بالمزيد.
فلتشربوا نخب "الهامش الديمقراطي"
و "هامش الحريات"
فلتشربوا نخب "دولة الحق و
القانون" و "العهد الجديد"
فلتشربوا عصارة "العدالة
الانتقالية"...
لكن اعلموا أن ذلك ممزوج بدماء و عرق شعبنا
بشهدائه و معتقليه السياسيين.
تضامننا المبدئي و اللامشروط مع كافة
المعتقلين السياسيين و عائلاتهم على امتداد ربوع الوطن الجريح.