الأحد، 18 فبراير 2018

10 فبراير 2018// المعتقل السياسي: عبد الوهاب الرمادي// السجن المحلي تولال بمكناس ـ المغرب ـ// 20 فبراير: إنتفاضة مستمرة وشعب يشق طريقه نحو النصر



المعتقل السياسي: عبد الوهاب الرمادي
رقم الاعتقال: 20020
السجن المحلي تولال بمكناس ـ المغرب ـ

20 فبراير: إنتفاضة مستمرة وشعب يشق طريقه نحو النصر


الذين يغلقون آذانهم وأعينهم عنوة، هم فقط من لا يستطيعون سماع أنين الفقراء والمعدمين ببلادنا، ومعاينة حجم القهر والإذلال الذي يرزخ تحت نيره شعبنا. أولئك هم وحدهم من لن يستطيعون أن يروا ويستشعروا حدة التناقضات الطبقية التي تعتمل في قلب المجتمع المغربي، وما تفرزه من حركة نضالية متميزة بمضامين وأبعاد سياسية وتاريخية تقتضي التناول الجدي، من باب استخلاص الدروس والعبر وشق الطريق نحو المستقبل.
من المفيد جدا، أن نستحضر هذا، ونحن على بعد أيام قليلة من ذكرى ذلك اليوم المشهود 20 فبراير 2011، يوم اندلعت انتفاضة شعبنا، في مناخ إقليمي متميز، لاصوت فيه يعلو فوق صوت الشعوب، وما صاحب ذلك من ارتفاع في منسوب الثقة في قوة الشعوب، وقدرتها على هزم أعدائها وصناعة تاريخها بنفسها. يوم انبعثت الأحلام والطموحات الكبيرة مستمدة مشروعيتها من قوة الأحداث على الأرض، ومعها كبرت طموحات أبناء شعبنا في التحرر والإنعتاق، وفي غد أفضل قوامه العيش الكريم، والحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية.
بالمناسبة، نتذكر جيدا القراءة التي أنتجها النهج الديمقراطي القاعدي، وترجمها عمليا، في موقف سياسي مسؤول، موقف الإنخراط الميداني إلى جانب الجماهير وتأطيرها ودفع حركة فعلها إلى الأمام بما ينسجم والسقف السياسي (سقف التغيير الجذري) الذي يترجم التحقيق الفعلي لمصالحها وأهدافها الطبقية والتحررية. وهو السقف، والخط السياسي الذي بذلت جميع المحاولات لأجل إجهاضه وقطع الطريق أمامه. فإلى جانب القمع المباشر، والدعاية الاعلامية الرجعية المسمومة، إنتصبت قوى الإصلاح كمتراس ووضغت يدها في يد القوى الظلامية، في إلتفاف مشبوه يخدم الاجندة الرجعية بامتياز، ويلجم الصوت الذي يفضح تقاعسها وعجزها ـ التاريخي ـ على مسايرة نضالات الجماهير، وهذه حقائق أكدها التاريخ بما لا يدع مجالا للشك.
تصورنا كطلبة قاعديين، هو ما عكسناه ودافعنا عنه في ندوة 13ـ14 ماي 2011، وكامتداد لها كانت ندوة 28ـ29 مارس 2014، التي تم التأكيد في أرضيتها على أن الأسباب التاريخية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية التي دفعت الشعب ألى الإنتفاض يوم 20 فبراير 2011، لازالت قائمة، بل تعمقت أكثر. وبأن النهوض الذي عرفته الحركة الجماهيرية، يستمر وبحدة أكبر وبمضمون أعمق، والسؤال المطروح هو، أي دور سيلعبه المناضلون(ت)؟، وهو ما عكسه شعار الندوة "حركة 20 فبراير: واقعها وأفاقها،ومهام اليسار الجذري".
ولأن النظام إلتقط الرسائل بسرعة، فظل دكّ أسوار جامعة ظهر المهراز، وشن حملة واسعة من الإعتقالات، عوض السماح بتنظيم الندوة، وما هي إلا أيام قليلة بعد ذلك نفذت المؤامرة الاجرامية ل24 أبريل.
لقد ظنوا، أنه بقمعهم وسجونهم وبتأمرهم وبأدواتهم السياسية والإعلامية، وبشعاراتهم البراقة، أنه سيطفئون شعلة الانتفاض، لكن المسألة كانت أعمق من ذلك بكثير، وما هي إلا شهور حتى إندلعت إنتفاضة الريف المجيدة، التي لم تكن واقعة إغتيال "محسن فكري" ـ بتلك الطريقة البشعة طحنا في ماكينة الأزبال كتعبير عن قمة الإذلال الذي يطال أبناء شعبنا ـ سوى النقطة التي أفاضت الكأس، أما الأسباب الجوهرية فهي ضاربة في أعماق التاريخ والواقع الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي، وهو ما ترجمته بكل وضوح مطالب المنتفضين، وبعدها عمت شرارة الانتفاض مناطق أخرى، وعلى رأسها "زاكورة" ـ حيث يموت الإنسان من العطش في مغرب القوة الإقليمية، والمغرب الرائد لإفريقيا ـ والآن، مدينة "جرادة" العمالية تشتعل انتفاضا، فداءاً لأبناءها العمال الذي يقضون تحت الأنقاض في مغارات تحت الأرض بحثا عن لقمة عيش مختلطة بالعرق والدم بطريقة تحيل إلى العصور البدائية، والقادم أعضـم.
مسلسل الانتفاض هذا، لم تنفع معه المسكنات والاجراءات الشكلية والوعود المعسولة، لأنه مع مرارة التجارب، أصبح الشعب بغريزته وبوعيه البسيط، يدرك جيدا، أن الذين سرقوه وجوعوه وشردوه، وصنعوا آلامه وبؤسه وشقائه، هم من يغيرون أقنعتهم، ويأتونه في صورة المنقذين ومقدمي الحلول، ولم تعد حيلهمتنطلي عليه، ولذلك يبقى القمع الدموي هو خيارهم في التعاطي مع المنتفضين، ويتحرك بعد ذلك مرضى "اليسار" ليلعبوا دور الممرضين،يواسون بمهدئاتهم عائلات المعتقلين السياسيين، في إنتظار تنفيذ محاكم الرجعية مقاصلها بأقل الأضرار وفي أجواء متحكم فيها (انتظروا ما سيحصل مع معتقلي الحسيمة المتواجدين يسجن عكاشة، والأيام بيننا).
اليوم، لغة الواقع الحي هي التي تتكلم، اليوم سقطت كل الأقنعة، وكل مساحيق التجميل، وسقطت خطابات التنميق والتزويق، وكل العناوين الكبرى (الدستور الجديد، دستور الحريات، الأوراش التنموية الكبرى...)، وانكشف الواقع عاريا بكل بشاعته، وأصبحت كل منطقة من مناطق هذا الوطن، وكل قطاع من القطاعات الاجتماعية، بمثابة عورة من عورات النظام، وأصبح الرفض والانتفاض واقعا قائما بذاته، والمطلوب هو الوعي الصحيح بهذا الواقع، وبت ذلك الوعي في صفوف جماهير المنتفضين بما يساهم في تطوير الأداء النضالي والسياسي كي يكون في مستوى تحقيق التراكمات المطلوبة، سيرا على درب التحرر والانعتاق، وهذه مهمة المناضلين أساسا.
فمسار الانتفاض على الأوضاع التي بلغت مبلغا لم يعد بالامكان تقبله أو التعايش معه، يسير وفق منطق تصاعدي، ينتقل ما بين المدن الصغيرة،والمناطق الهامشية والمهمشة (المغرب المنسي)، والتي لها تاريخ متجدر في النضال والمقاومة (منطقة الريف ببطلها المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي كان حاضرا بقوة خلال الانتفاضة، خير مثال)، وهذه مؤشرات يلتقطها المناضلون الحقيقيون المرتبطون فكرا وممارسة بنضالات شعبهم، بما هي (المؤشرات) تراكمات الكمية على طريق تحقيق تحول نوعي. يمكن أن يتجسد عمليا باتساع دائرة الانتفاض، وانتقاله إلى المدن والحواضر الكبرى، حيث الوجود المكثف للقوة الطبقية صاحبة المصلحة الأولى في التغيير الجذري (الطبقة العاملة)، وعلى المناضلين(ت) رصّ الصفوف وتأهيل ذواتهم ليكونوا في مستوى التطورات القادمة، وإلا سيكونون من أول من ستحرقهم نيران الصراع.
إن حركة التاريخ التقدمية، في تطورها الصاعد دائما، إنما تنبع من فيض سواعد ومن كفاحات القوى الطبقية الاجتماعية المستغَلة، لكن دور المناضلين في دفع هذه الحركة إلى الأمام وفي توجيه سيرها نحو أهدافها الحقيقية، كان دائما دورا عظيما، بما يمتلكونه من معرفة نظرية، تؤهلهم للنفاد إلى جوهر القوانين العامة لهذه الحركة، ويعبروا تعبيرا صادقا عن طبيعة وإمكانات القوى الطبقية التي تفعل في ثناياها، وينتجون فكرا علميا، يعود بدوره ويتحول من عالم الأفكار إلى طاقات حركية مادية، عبر امتلاكه من طرف الجماهير وامتزاجه بحركتها، فيضيف إليها قدرة كفاحية وزخما نضاليا أكبر، وفق منهج علمي وبرنامج واضح المعالم والأهداف الآنية والمرحلية، الاستراتيجية.
ذلك هو المطلوب، والآن، لكن السؤال الذي يضل مطروحا هو، هل سيؤدي المناضلون(ت) دورهم العظيم هذا في معركة الشعب من أجل تحرره وانعتاقه؟.
هنا أود أن أفتح قوسا، لأشير إلى أنه قد شاءت الصدف، لأن نلتقي ببعض من أبناء الشعب من الريف الحبيب المعتقلين على خلفية الانتفاضة المجيدة، وحز في أنفسنا كثيرا، حين وجدنا أن بعضهم محكوم ب20 سنة من السجن النافذ، وهذه فاجعة حقيقية، سيقدرها أكثر من يعيش جحيم السجن. هذا في وقت نجد فيه المناضلين(ت) المدعين تبنيهم لشعار الثورة والتغيير، قد نخر الخنوع والتهاون عظامهم، وتنصّلوا من هويتهم السياسية الواقعية، واستهوتهم هويتهم الرقمية والافتراضية، فيخاطبون جماهير ويصارعون نظاما لا يوجد إلا في عالمهم الافتراضي.
وفي السياق ذاته، وعلاقة بالحركة الطلابية، أقول بأن تواتر الاستهدافات والهجومات غير المسبوقة (هجوم 15 أبريل 2015، الهجوم على ندوة 28ـ29 مارس 2014، مؤامرة 24 أبريل 2014....)، لم تكن استهدافا للنهج الديمقراطي القاعدي كفصيل طلابي في حد ذاته، بل محاولة لخنق صوت هو صوت كل المقهورين، واستهداف لمشروع مجتمعي هو مشروع شعب بأكمله، تعتبر الأوضاع المتردية مساعدة جدا لنموه وانتشاره، لأنه المشروع الذي يقدم الأجوبة الحقيقية على معضلات الشعب ويتجاوب مع مطامحه وقضاياه.
والآن، وأمام تفاقم أزمة النظام الرجعي، وانصياعه التام لأوامر وتوصيات "صندوق النقد الدولي"و"البنك العالمي"، وإقدامه على تحميل الشعب تبعات الأزمة، فإن كل المؤشرات تدفع الأوضاع إلى المزيد من التأزم والانفجار: استهداف صندوق المقاصة وإلغاء دعم المحروقات وعدد من المواد الاستهلاكية، استهداف صندوق التقاعد، والزيادة في قيمة الاقتطاعات، وفي سن الاحالة على التقاعد مع تخفيض قيمة المعاشات!!!، استهداف الوضيفة العمومية بإلغاء نظام الترسيم وتعويضه بالتعاقد، (والاشارة فإن كل هذه المخططات التصفوية مررت باسم التنظيم الارهابي المسمى "بالعدالة والتنمية"، بقيادة زعيمها الظلامي العميل "ابن كيران"، الذي يحاولون الآن تنظيف أياديه الملطخة وتبييض وجهه، وتصويره "كبطل شعبي"، ضمن عملية ذكية ومدروسة لتأهيله لأدوار أخرى مستقبلا)، ثم هناك القرار الأخير القاضي بتعويم العملة/الدرهم، والتحضير للاجهاز النهائي على ما تبقى من مجانية التعليم، وفق نهج رأسمالي عدمي يروم تدمير ماهية وجوهر الجامعة المغربية، وتحويل التعليم إلى عقل خصب للاستثمار وانتاج البضاعة وجيوش العاطلين وما يسمى "بالأمية الحضارية" المؤدى عنها، عوض إنتاج العلم والمعرفة. وارتباطا بذلك، فمن الأكيد جدا أن النظام سيتحرك مسبقا لإزاحة كل الحواجز التي تعيق تمرير مخططاته، وفي مقدمات ذلك الهجوم على الحركة الطلابية والنهج الديمقراطي القاعدي، ولعل التحركات الأخيرة المشبوهة للقوى الشوفينية وإنزالات مليشياتها بعدة مواقع جامعية، واعتداءها على المناضلين بكل من تازة ووجدة ومكناس، ليس سوى مقدمة لهجوم شرس قادم لا محالة، بالموازات مع تصعيد وثيرة القمع والاعتقالات، وفي هذا السياق يأتي إعتقال الرفيق جمال بودناية.
كل هذه التطورات ينبغي الانتباه إليها والتعامل معها بالجدية والحزم المطلوبين، ويبقى الخيار السليم والأساسي، هو الرهان على الجماهير وتصعيد الفعل النضالي، وفرز معارك نضالية في مستوى التحديات المطروحة، وتلك مسألة لن تتم بالحماس وبالشعارات وحدها، أو ببعض الممارسات الهامشية التي تقدم كأوراق مجانية يستفيد منها ويوضفها الأعداء المتربصون، بل بالوعي السليم والإدراك العميق للشروط الذاتية والموضوعية وبالمهام المطروحة، مع تقييم وتقويم الممارسة وتطويرها، طبعا على أرضية البرنامج المرحلي، لأن النضال الطبقي الحقيقي لا يمكن أن يكون بدون برنامج عملي، فذلك وحده من يخلق الانسجام في الممارسة، ويساهم في تجاوز التمزق ونزيف التضحيات والطاقات، ولأجل كل ذلك يعتبر بناء ذات صلبة ومنظمة شرطا أساسيا لمواجهة العمل وضمان الاستمرارية المطلوبة مهما كانت ضغوطات الظروف والأحوال.
وفي الختام، وكما يقال، أمام الحريق وشراسة هجوم العدو لا نملك شيئا سوى المواجهة، حتى وإن كانت حياتنا ثمنا لذلك، ومن المهم جدا، أن نعرف أنه منذ بداية فجر الانسانية إلى اليوم، وجد أناس وقفوا ببسالة في مواجهة الظلم والظلام، وقاوموا السيطرة والإذلال، وقدموا الغالي والنفيس في سبيل حرية الإنسان، وسعوا دوما إلى تغيير أوضاع البؤس والحرمان وحتى وإن لم يصلوا تحقيق أهدافهم العظيمة، وجني ثمار تضحياتهم اللامحدودة، فإنهم أضاؤوا الطريق نحو حرية وخلاص الانسان، وهذا هو نهجنا، نهج كل المناضلين الأفداد. فطوبى لمن نال شرف وضع ولو لبنة واحدة في بناء سرح الانسانية العظيم.

لا تنسوا أيها الرفـاق(ت)...
أن تذكروا الشعوب دوما...
بأنها أساس الوجود ...
وبأنها لن تخسر بنضالها غير القيود.


0 التعليقات:

إرسال تعليق