الجمعة، 15 أبريل 2016

السجن المحلي بتاونات // المعتقلين السياسيين : مصطفى شعول / عبد النبي شعول // تقرير : أصوات حرة تحت الحصار بسجن العقاب.


في 10 أبريل 2016
السجن المحلي بتاونات
- المعتقل السياسي : مصطفى شعول 
 - رقم الاعتقال : 17722
- المعتقل السياسي : عبد النبي شعول     
    - رقم الاعتقال : 17723
تقرير : أصوات حرة تحت الحصار بسجن العقاب



في ظروف اعتقال قاسية ورهيبة نخط هاته الكلمات النابعة من صميم إنسانيتنا قصد تنوير الرأي العام وإحاطة كل الشرفاء علما بمرارة حياتنا السجنية، وأملنا عميق أن تجد آذانا صاغية وضمائر حية ومستنيرة تتحرك على ضوء هذه الحقائق المرة للمساهمة في كشف ما تعرضنا له من استهداف سياسي مفضوح، ومن أجل الوقوف إلى جانب عائلاتنا في حركيتها ودعمها نضاليا وماديا ومعنويا للحد من معاناتها وعذابها اليومي جراء سنوات الظلم والقصاص الطويلة التي وزعت على فلذات أكبادها وعنائها المستمر يزداد مع حرمانها من الزيارة في ظروف مواتية ( 20 دقيقة من الزيارة أسبوعيا مع التفتيش والاستفزازات ) .
نحن الآن بمعتقل عين عائشة بمدينة تاونات، بعد ترحيلنا إليه يوم الخميس 17 مارس 2016، على الساعة العاشرة ليلا، بطريقة دراماتيكية، لم نمهل معها حتى الوقت لجمع حاجياتنا، وذلك بعد يوم واحد على صدور قرار "المحكمة" القاضي بإمطارنا ب 20 سنة من السجن النافذ موزعة بيننا بالتساوي ( وتم توزيع 54 سنة في حق ست رفاق آخرين من معتقلي مؤامرة 24 أبريل 2014 )، حكم صوري وظالم صَادَرَ حياتنا غصبا، تآمرا وإجراما، في ريعان شبابنا، وعز عطائنا السياسي و الفكري و الدراسي، وكفاحنا ونضالنا، بغرض اغتيالنا ببطء في غياهب السجون ونحن أحياء.
صدر قرار اغتيال حياتنا وحريتنا بعد محاكمات صورية طويلة أقل ما يقال عنها أنها من صنع أياد سياسية فاشية، ماهرة في عالم التآمر و الإجرام، بحيث أن كل فضح جديد لخيط من خيوط المؤامرة، لم يفعل غير أن أورد براهين وتفاصيل جديدة على مدى الدقة  التي حكمت ممارسة ضباع المؤامرة – القوى الظلامية وهي تغتال الحقيقة الملموسة لدى الجميع، وتنتصر لحملة العقاب الجماعي – حملة التآمر المتواصلة، والغاية منها واضحة هي "تبرير" إنزال المقصلة على رقاب الأبرياء، تنفيذا لبنود وتوصيات المخطط الموضوع سلفا، والذي كان ينقصه روتوشات أخيرة حول قائمة المستهدفين وطريقة إخراج وإعلان عملية اغتيال مسارهم الحياتي و السياسي و الاجتماعي.
ورغم سقوط أخر أوراق التوت عن جملة ادعاءات القوى الظلامية وانفضاح اتهاماتها الباطلة، وسطوع الحقيقة أمام الجميع بقاعة "المحكمة" وتوكيد براءتنا من طرف كل عناصر ومكونات "الملف" مما نسب إلينا من تهم وافتراءات، رغم كل هذا وذاك وغيره، تم اغتيال حياتنا بدم بارد، بحكم تفوح منه رائحة السياسة بشكل فاضح، ليؤكد ويقطع الشك باليقين، بكون المحاكمة سياسية محضة، بعد لم يتبقى في "القانون" ما يديننا، لم يتبقى إلا انتماء سياسي، مواقف سياسية، قناعات فكرية و سياسية... لم نتنازل عليها، لم نتبرأ منها أمام "المحكمة"، رغم أننا كنا محكومين ب 30 سنة ( حصتنا من 111 سنة في الحكم الابتدائي).
جاء تنفيذ قرار الترحيل بعد يوم واحد من صدور "الحكم الاستئنافي"، بدأ مسلسل جديد من القصاص في حقنا، عبر ترحيلنا القسري من سجن عين قادوس –فاس وتشتيتنا فرادى على سجون مختلفة، كانت وجهة الرفيق قاسم بن عز سجن تازة، الرفيق ياسين المسيح سجن بوركايز 2 (رأس الماء) بفاس، الرفيق عبد الوهاب الرمادي سجن تولال 1 بمكناس، الرفيق هشام بولفت سجن تولال 2 بمكناس، الرفيقين أسامة زنظار و زكرياء منهيش سجن صفرو، وكان نصيبنا نحن الرفيقين الشقيقين مصطفى شعول وعبد النبي شعول السجن المحلي بتاونات –عين عائشة، إذ تم سياقتنا إليه ليلا بعد قدفنا داخل سيارة نقل السجناء، ونحن مكبلي الأيدي إلى الخلف وسط كومة من الملابس والأفرشة ومئات الكتب.. لا نعرف إلى أي وجهة نحن سائرون، نظرا لظلمة الليل وسرعة السيارة، وبدا الطريق طويلا، تعبنا من وضعية التكبيل إلى الخلف، أصبنا بدوخة شديدة، تلاها قيء متكرر، ونحن نتكئ على الجانب لكي لا تتسخ أمتعتنا.. وما زاد من إرهاقنا شدة القيود خلف الظهر والسرعة الجنونية التي كانت تسير بها السيارة.
وما إن وطأت أقدامنا السجن الرهيب –يعرف بسجن التأديب و العقوبة- سجن كله دهاليز وممرات مسيجة بقضبان حديدية غليظة، حتى انطلقت عملية مقصودة لإرهابنا، عبر معاملتنا من طرف بعض الموظفين بقسوة ومحاولة احتقارنا وإذلالنا لكسر معنوياتنا، إذ تم تفتيشنا بطريقة حاطة من الكرامة الإنسانية، تم نزع ملابسنا وتركنا عراة... رغم رفضنا القاطع لهذه الممارسة المهينة، مما اضطر الرفيق عبد النبي شعول للمطالبة بحضور مدير السجن، هذا الأخير صرح لنا بما يلي : معنديش هنا دار الأسرة، بعدما طلبنا منه تجميعنا في غرفة واحدة... وبعدها أخذوا يفتشون الملابس و الأفرشة ويلقون بها أرضا، وقاموا بحجز كل كتبنا ودفاترنا وأقلامنا وحتى الأحزمة.. وساعة يدوية عادية للرفيق مصطفى شعول.
في الليلة الأولى داخل هذا السجن، بتنا بداخل زنزانة بالجناح رقم 1، وتم وضع سجين معنا لاستقصاء أخبارنا والتصنت علينا رغم كونه له مكانه في زنزانة أخرى داخل السجن ( كما علمنا لاحقا ). صباح الغد تم المناداة علينا للإدارة، والاستماع لنا في مكتب الضبط القضائي وتصنيفنا –صنف ب- ( صنف أ =  خطير جدا، صنف ب = خطير، صنف ج = عادي.. وفق النظام السجني الجديد )، وتفريقنا على جناحين مختلفين متباعدين، مصطفى في جناح رقم 2 غرفة 4، عبد النبي في جناح رقم 4 غرفة 4، كل جناح له طابقين، وكل طابق به أربع غرف، تحتوي كل غرفة على أكثر من 40 سجينا، 30 لهم أسِرة، والباقي يفترش الأرض، اكتظاظ مهول داخل الغرف، لكل جناح ساحة للفسحة صغيرة على شكل مثلث ذات أرضية متربة، تفتح للسجناء ساعتين في الصباح وساعتين في المساء، أصبحنا محاصرين، كل في جناح، لا يسمح بلقائنا إلا مرة في الأسبوع – يوم الجمعة داخل قاعة التكوين المهني لمدة 20 دقيقة تحت الحراسة المشددة – أما الهاتف يمنح لنا مرتين في كل أسبوع، بمدة 5 دقائق أثناء كل مرة، والمكتبة فقط لإعارة كتاب كل مرة في الأسبوع، ليس هنا قاعة للمطالعة و الدراسة، عناء التطبيب والحصول على الأدوية، وما يزيد من معاناتنا الاستفادة من الاستحمام مرة واحدة في الأسبوع بالماء البارد، أما الوجبات الغذائية !!! قل المياه التي لا ينجو فيها الذباب من الغرق رغم ركوبه قشور البصل .
داخل غرفنا، الدراسة و المطالعة مستحيلة بفعل ضجيج وصراخ 40 حنجرة، كل واحدة تغني لحنها وتنطق بقاموسها.. وإطفاء الإنارة بعد العشاء مباشرة... إنه فعلا سجن عذاب وعقاب... وتفاصيل أخرى مثيرة لا نستطيع الآن سردها لدواعي معينة.
في ظل هذا الوضع الصعب، وهذا الحصار الشديد المفروض قسرا علينا، نحيا الآن محرومين من حقوق عادلة، بعد اغتصاب حقنا في الحياة و الحرية، ونعي جيدا أنها معركة طويلة النفس وصراع مرير له حساباته الدقيقة، ستتآكل في أجسادنا، سنذرف فيه دموع الألم، ألم الأمعاء الفارغة، سننزف فيه دما، وستدمر الكثير من خلايانا... ستتجرع عائلاتنا المرارة وطعم المعاناة والعذاب، سيقف معنا شرفاء الوطن، وسيقف ضدنا مفترسو الوطن، مغتصبي حياتنا وحريتنا المقدسة.
وسنختم هذه الكتابة بمقطع من رسالة مناضل مختطف إلى والدته، وهو صوت من أصوات زمن الرصاص:
...............................
...............................
سألتني يا أمي عن هذا الذي أسميه الوطن..
وعن حبي هذا الذي لا يعرف الوهن..
يا أمي..
بحثت عنه في القصائد
فما وجدته
لم يكن نغمة في أنشودة
ولا مدينة حورية في جدلية قصيدة
يا أمي..
عرفت أنه ليس حفنة تراب
ولا موطئ أقدام
وحتى حينما بحثت عنه في الإعلانات و المساجد
ما وجدته إلها يسبح للسلام
ولا تميمة تذهب عنا الأحزان..
لكني عبر أعوام الكدح يا أمي..
وبعدما دقت المسامير في الأقدام والذراع
وبعدما سقط النجم تلو النجم..
وبعدما أصبح بين الغضب والصفاء
دم الشهداء  وأدمع الأمهات
عرفت يا أمي أن الوطن...
» حيث لا يضطهد الإنسان... «



0 التعليقات:

إرسال تعليق