شطحات فوق مسرح العبث
"لو أن المرء مسؤولا إلا عن الأمور التي يعيها لكانت الحماقات
مبررة سلفا عن كل إثم، لكن الإنسان ملزم بالمعرفة. الإنسان مسؤول عن جهله. الجهل
خطيئة "ميلان كونديرا
إلى تلك الأقلام التي تفوح منها رائحة العمالة ويسيل حبرها / لعابها وراء
الفتات الذي أدمنت حلاوته منذ زمن بعيد .
في جريددة "الأخبار"
العدد 2154 الموافق ليوم الثلاثاء 26 نونبر 2019، في عمود مألوف ومخصص لمحاولة ضرب كل ما قد يخرج عن الإيقاع المحدد،
ويحارب كل ما من شأنه لعبة الأسياد التي دامت لسنوات وسنوات من القمع والبطش
والإعتقال، فالتعذيب التصفية والإغتيالات...، ليحافظوا على نفس الوضع ويزيدون من
تكريسه بأبشع الصور. يترأس هذا العمود اسم يحمل "رشيد نيني" وكأن الإسم له نفس
دلالة العمل الذي يقوم به "يهدي إلى الرشد" ونسب يكمل نفس الإسم "نيني" كما هو متعارف
عليه في الموروث الثقافي الدارجي يحيل إلى النوم، فتكون المهمة الأساسية لهذا
العمود هي "الدعوة إلى النوم"
فتتبادر إلى ذهننا مقولة الشاعر الكبير أحمد مطر أصح تعبير لوضعنا هذا "شخصان يخافان من يقظة النائم اللص والحاكم" ونحن نضيف أن هناك صاحبنا "رشيد نيني" (وهناك العديد من
أمثاله) الذين لا يخافون من يقظة النائم وفقط بل ويرتعدون هلعا منها.
هكذا في إطلالة غاية في "الإستقامة والوضوح" كما عودنا دائما
الصحفي "النزيه والمستقيم" (رشيد نيني) من خلال بوقه
الإعلامي الذي استفاد منه كثمن أو تعويض للخروج من "العبثية إلى الإستقامة"
تحدث بكل وضوح كما دائما وفق الخطوط الحمراء المرسومة كعبد راض عن عبوديته، ومخلص
لها بل ومستعد لكل الأدوار المنوطة به دفاعا عن أسياده من كل الأصوات التي قد تكون
مصدر إزعاج لهم .
" نيني" كالعادة ينط من هنا إلى هناك حسب الطلب وأيهما أولى بقصفه الكرطوني الذي
لا يتجاوز حدود مريديه، والذين يسبحون ضمن حدود بركته التي تفوح منها رائحة نتنة
يجعل من الصعب عليك المرور بمحاداتها نظرا لما قد تسببه من قرف وإشمئزاز، "نيني" الذي يدعي العمق
في تحليلاته كشف لنا هاته المرة عن نا مدى سطحيته، خاصة مع القضايا الكبرى والتي
تشكل في أبعادها خطرا على آلهته المقدسة.
ففي العمود المذكور أعلاه والذي تهجم فيه "رشيد نيني" على "الإلتراس"
خاصة مع التحولات التي أصبحت تشهدها مؤخرا وعن الرسائل التي تمررها من على مدرجات
الملاعب. كما وجه سهامه إلى ثلاثي أغنية "عاش الشعب" التي حضيت
بإقبال جماهيري قوي (وصل إلى ما يفوق
16 مليون مشاهدة) نظرا لملامستها لهموم ومعانات
الشعب المغربي .
دعنا نقف أولا على مضمون وأبعاد هذا الهجوم :
أولا : إن بروز ظاهرة "الإلتراس"
لها امتداد تاريخي عريق انطلق من أمريكا اللاتينية في منتصف القرن الماضي ليعم
وعلى فترات متقطعة مختلف بقاع العالم، ويشكل لوحات تعبيرية، يمتزج فيها حب الرياضة
مع ما تعيشه الجماهير من اضطهاد واستغلال. وما على القارئ إلا البحث قليلا في هذه
الظاهرة ليكتشف ما مدى مساهمة "الإلتراس" في التعبير عن الواقع،
ولم تكتفي بالمدرجات في محموعة من البلدان بل تحولت إلى قوة فاعلة في الميدان (مصر
نموذجا)، كصوت يضم إلى باقي الأصوات الرافضة لواقع البؤس والإستغلال، هذا المسار
كلف من "الإلتراس" ضرائب وخيمة تجلت في المنع والقمع والإعتقالات،
كمحاولة من الأنظمة لجعل "كرة القدم" مجالا للمضاربات المالية وتخدير
لعقول الملايين من المتابعين وجعلهم بعيدين عن حياتهم المعيشية .
إذن فالإلتراس ليست ظاهرة فريدة في المغرب وفقط كما يدعي صاحب المقال بل هي
أشمل وأعم والدليل هو ما تعرض له جمهور "نادي الخليل الفلسطيني" بتاريخ
25 نونبر 2019 . حيت تم : منع الجمهور من المباريات المقبلة - غرامة مالية على النادي - المطالبة
بمدهم بلائحة المتورطين حسب زعمهم في رفع " تيفو " لطفل فلسطيني يحمل
بندقية يعبر عن المقاومة المسلحة كخيار للشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني. (صورة التيفو أعلى المقال).
هذا ولا يتسع المجال للحديث عن كل التجارب الرائدة في هذا المستوى. ما
يهمنا هنا هو إبراز أن الهجوم على هذه
الأصوات هو هجوم على رسائلها والمضمون المعبر عنه، والذي يربطه صاحب المقال بأعمال الشغب والعنف
والتخريب على شاكلة المحاضر البوليسية التي رافقت الإحتاجات بعموم وطننا الجريح،
وتصوير كل صوت حر جاني ومذنب يجب تطويقه و إخراسه .
ثانيا: أن ينتقل صاحب المقال من نفث سمومه على "الإلتراس"
إلى مهاجمة أغنية أصبح لها تأثير في الملايين من المغاربة وتعدت شهرتها حدود
جغرافيا هذا الوطن المكلوم، ليس من باب الصدفة بل عمل منظم وموجه كمحاولة لإنقاد
عروش آلهته وهبتها .
ما يلاحظ هو أن أسلحة "صاحبنا" بدائية تدعو إلى الشفقة حيث لم
يتملك الشجاعة كما تملكها في الحديث عن مضمون "التيفو" الذي أسهب في
شرحه بعد ليلة من البحث بين رفوف الروايات وتقصي معانيها، حيث تناول أغنية "عاش
الشعب" بشكل سطحي لم يتجاوز حدود ذكر اسمها لينتقل إلى الهجوم على
أفرادها واصفا إياهم ب (خريجوا السجون، وأنصاف المتعلمين ...).
ليبقى السؤال عالقا ما السر وراء تجاوز مضمون الأغنية ؟
للإشارة فنحن لا نبتغي الإجابة ممن نعلم مسبقا أنهم يكتبون حسب المقاس لكن
لا بأس سنحاول أن نتطرق إلى وصفه وتهجمه على هؤلاء الشباب الذبن أصبحت كلماتهم
شعارا للمقهورين يتغنون به .
لننطلق من مضمون تهجمك (خريجو السجون، أنصاف المتعلمين)
من هو السجين ؟
أولا : السجين إنسان يعيش داخل بيئة
اجتماعية واقتصادية معينة، تلقى تنشئة معينة تداخلت فيها مجموعة من العوامل التي
أثرت في شخصيته، بل وقد تستوعبه ليصبح في أحيان كثيرة منحرفا بل ومجرما، فالإنسان
هو حصيلة مجموع تفاعلاته الإجتماعية والتأثيرات التي يتلقاها من محيطه السوسيولوجي،
فهو يعكس هذا الأخير ويكون في حالات كثيرة منسجما ومطابقا معه. لتصبح ظاهرة السرقة،
تعاطي المخدرات، الدعارة ظواهر ذات بعد اجتماعي من الغباء أن نجعلها مسؤولية فرد
وفقط .
هكذا يصبح ضحايا هاته الظواهر مجرمون في نظر "القانون" ليكون
السجن مكانا لتعميق جراحهم وتطوير ملكات انحرافهم ليصبحوا محترفين في مجال
انحرافهم، وهذا يفتح بابا للنقاش حول ما يسمى ب (مؤسسات التأهيل وإعادة الإدماج)
والتي لا تتحاوز قيمتها بريق الإسم .
ثانيا : أنصاف المتعلمين !! مرة أخرى يفتقد
"صاحبنا" إلى الجرأة ليناقش الموضوع في شموليته فنجد أنفسنا مضطرين إلى
أن نذكره بهذه القاعدة، فوصف أبناء الشعب ب"أنصاف المتعلمين" يندرج ضمن
نقاش المنظومة التعليمية برمتها، ولا يمكننا أن نحمل للفرد مسؤولية انقطاعه عن
المدرسة. فنصف المتعلم هو ذاك الطفل الذي لم يستطع والداه أن يؤمنا له مصاريف
تمدرسه، فلم يجد سياسة تعليمية تسهر على تعليمه وتوفر له جوا ملائما لاستكمال
دراسته. ولك أن تطلع على إحصائيات الهدر المدرسي بالمغرب التي تتزايد سنة بعد أخرى
لتستطيع أن ترى الخلل في شموليته .
اذن فنصف المتعلم ضحية لا مذنب. فبأي حق تمنعه من التعبير عما يعيشه؟ وماذا
يريد؟ أليس من حقه أن يطمح إلى الأفضل؟ وأن يحاول استدراك أعطاب لا ذنب له فيها.
أم أن الكلام والتعبير ينحصر في وجودك وحضرة تفكيرك، طبعا لأنك تعتبر نفسك المثقف
الوحيد والأدرى، ومبدأ تقييمك ينبني على "أن تقول ما أريد فأنت صديقي وإن خالفت مساري فأنت من أنصاف المتعلمين،
وخريج سجن. وبالنتيجة أنت عدوي
"
ليمر بعد ذلك إلى تلك القلعة التي ظلت ولسنوات عصية على الطمس والتشويه
بفضل الوعي الذي يحمله روادها وطلبتها كنتاج لعمل دؤوب ويومي يؤديه بأمانة وإخلاص
مناضلين جعلوا من القضية والمبدأ زادهم اليومي، ومن منطلقاتهم النظرية مرشدهم
وموجههم ليصفهم ب (التطرف، الترويج لخطابات تدعو إلى الحرب والفوضى، وكذا المواجهة
المسلحة مع الدولة...).
إليك أيها المستقيم والواضح في الهجوم وغض الطرف على القضايا الحقيقية
للشعب المغربي، إليك يا من جعل من اسمه رمزا للغدر والخيانة، فذاك موقعك وتلك
مهماتك فكن مخلصا لها وعبر عنها بوضوح أكثر دون لبس أو إبهام، لتأخذ موقعا أكثر
راحة ضمن عصابة النهب والتخريب والتقتيل اليومي، ووجه سهامك المطاطية التي لن تنال
ممن تصفهم بالعبثيين الواضحين في منطلقاتهم النظرية الماركسية اللينينية
والمصطفين شكلا ومضمونا في صف المقهورين الذين تنكرت لهم مقابل صحن من عدس .
ختاما أقول إن كان احتضان الأصوات المدافعة عن الشعب عبثا فنحن عبثيون، وإن
كان رفض الظلم والطغيان تطرفا فنحن متطرفون، وإن كانت الرغبة في تغيير الأوضاع
اتجاه الأفضل حيث تصان كرامة وحقوق الإنسان رغبة في التدمير فنحن مدمرون .
عاش الشعب ولا عاش من خانه
بافل : مناضل قاعدي
