مصرع راعي الغنم ببويبلان.. بشاعة الجريمة و مسؤولية النظام
بأعالي
جبال بويبلان المنسية و المهمشة عثرت ساكنة إحدى المداشر القريبة
منه "دوار تانشرارامت إقليم تازة " على جثة راعي الغنم وقطيعه المفقود
لمدة أسبوع كامل، في منظر سيبقى راسخا في الأذهان بعدما حاصرت وغطت الثلوج جسده
النحيف ومحت ملامح وجهه البدوي إلى أن أصبح يكتسي لون الموت، و الذي
انضاف اليوم إلى قائمة مفتوحة على مصراعيها ممن أريقت دمائهم بدون تكلفة من طرف
نظام الإجرام والعمالة حيث تكفلت الطبيعة هذه المرة بعملية الاغتيال البطيء وستكون المخرج المناسب لديهم لتبرير جريمتهم،
لنقول لهم أن السبب الرئيسي في موت الراعي هم أنتم أيها القتلة فلولا سياساتكم
الصهيونية لما اختار الراعي الفقير صعود الجبل لسد جوع غنمه لأنه لم يجد ما
يطعمها عكس ما توفرونه من أعلاف بإسطبلاتكم لبقركم وأغنامكم و الضيعات المحروسة
"بالعسكر والبوليس" والكلاب المدربة لرعي فرسانكم، وأين "مبادرتكم
للتنمية البشرية" ومخطط "المغرب الأخضر" وفك العزلة عن العالم
القروي ومساعدة الفلاح الصغير، كلها شعارات معسولة المظهر ولقتلنا في الجوهر
فالقاتل المباشر هو من جوع وفقر وهمش حميد باعلي.
فبعد ست
أيام من الصراع الضاري والبطيء مع الموت، وفي المقابل نفس مدة الوقت من الصمت و اللامبالاة من طرف النظام وأجهزته مادام الأمر يتعلق براعي غنم
بسيط لا يستحق الحياة عكس السائحة السويسرية التي تعرضت للكسر بعد انهيار ثلجي بجبل "توبقال" وتم إنقاذها على الفور،
وما دام أن الأمر يتعلق بشخص لا مكانة له في المجتمع حسب نظرهم حتى يتسنى منهم
تحريك فرقهم الخاصة بالطوارئ والإنقاذ، ولم ترصده أقمارهم الاصطناعية العالية الجودة و القادرة على رصد دبة النملة، ومادام
الأمر يتعلق براعي الغنم فهم ليسوا مجبرين على الخروج بتصريح أو بلاغ حول الحدث
وتحديد "المسؤوليات القانونية" في الجريمة لأنه تم إعلام "الجهات
المحلية المسؤولة" وفي مقدمته "الدرك الملكي" بالمنطقة من طرف
الساكنة والعائلة التي انطلقت لوحدها في مغامرة البحث عن حميد باعلي، ما دام بالنسبة
لقاتلي شعبنا مجرد رقم سجل ذات يوم في أرشيف الولادات و اليوم سيدون في أرشيف الوفيات وستشرح جثته لأخذ أعضائه الحية لبيعها بأبهظ ثمن، هي جرة قلم لا غير في نشراتهم الإخبارية لإعلان
كرمهم في التكفل بمصاريف دفننا، فيغلق الملف في انتظار آخر، و هكذا نغضب قليلا و نعلن الحداد ليوم أو يومين و
نغير صورنا الفايسبوكية، و بعد هذه الطقوس المعهودة نعود إلى حياتنا العادية من
جديد، هي أشياء أصبحت معهودة و من فرط وكثرة تكرارها بدأت تحتل مكانة "العادي
والمألوف" في لحظة سياسية جد دقيقة يرزح فيها النظام القائم ببلادنا في عمق أزمته البنيوية، فينهج أساليب التضليل على أحداث و جرائم تصنف ضمن
الأبشع في حق الإنسانية، بين أحداث تتوالى على سطح ومسرح المشهد السياسي بالبلاد
والتي تحتاج إلى تأمل دقيق و تحليل عميق لكي نستطيع فهم حجم الكارثة، من تقتيل
جماعي للأرواح ولطموحات ومقومات العيش لأبنائه، بيع خيرات البلاد وإغراقها بالمديونية،
تدمير القطاعات العمومية،... كلها معطيات اللحظة تساهم في تكريس المزيد من البؤس و
التفقير، فلا عجب أن يتعرض راعي الغنم إلى الإهمال طيلة أسبوع دون أدنى تحرك من
طرف "الجهات المسؤولة " بين جبال الثلج التي لم ترحم جسده النحيف.
إن ما
نحتاجه اليوم يتجاوز بكثير عبارات التعازي و المواساة والوقوع في حالات الانكسار و الحسرة، كل ما نحتاجه وطن يسع أبنائه جميعا، وطن لا
يقسوا قادر أن يدفئ جسدا منهكا في أعالي الجبال ومنخفضات السهول والتلال...
فهد :مناضل قاعدي
0 التعليقات:
إرسال تعليق