18 شتنبر 2018
المعتقل
السياسي أنس فارن
السجن
السيئ الذكر "بوركايز" فاس
رقم
الاعتقال: 41030
صرخة
مناضل
أن تكون
مناضلا في صفوف المدرسة العتيدة أوطم، فمعناه أن قلبك ينبض بالحياة، و أن تكون قاعديا فهذا
معناه أن قلبك لطالما أرادوا إقباره لا زال يخفق و يتحدى ظلال الموت، لتزهر نبتته الإنسانية
و يعم السلام أولا و أخيرا و ينتفي عداء الإنسان لأخيه الإنسان، و لكن كيف السبيل إلى السلام، وهناك من لم يرد حتى
السلام؟ كيف السبيل إلى السلام في ظل النظام و الظلام؟
لن ننتظر الإجابة على هاته الأسئلة من طرف أعداء الإنسانية و لكن حتما
التاريخ سيقول كلمة الفصل و أصدقاء الشعب الحقيقيين و مناصروه سينكسون كل الأزبال و
يلقونها في القمامة، فالجدل يعلمنا كل يوم أن لا شيء يدوم، لا الزهر لجماله و لا الربيع لإخضراره ولا الظلام
لجبروته و طغيانه، ولكن الفكرة تدوم و تتطور عبر الأجيال لتصبح قوة مادية، و عندما تلتف الجماهير حولها فإنها
تصنع تاريخها بيدها و تغير واقعها نحو الأفضل، فتحية حمراء لكل من صرخ في وجه
الظلام و الطغيان، و تحية لكل الحفاة و العراة قاهري الملوك و الطغاة.
هاته الكلمات
البسيطة الموضوعة في المقدمة، أسالت مدادها و أنا في قلب السجن الحقير و السيء الذكر "بوركايز"
و بالضبط من داخل حي "الأمل" جناح "الوفاء" الغرفة رقم 5، أمل .. أملي في الحياة..أملهم في موت الحياة ، و وفاء..
إخلاصي للمواقف و القناعات و الثوابت القاعدية و لمسيرة النضال..وفائهم لقمعهم و
اغتصابهم خيرات البلاد، و الآن سأمر إلى حيثيات اعتقالي و السياق الموضوعي الذي رافقه، و قبل ذلك سأتطرق إلى التجارب السابقة لاعتقالي و أنا خارج أسوار هذا السجن الحقير.
التجربة
الأولى: بتاريخ 20 ماي 2012
و في خضم
الاستعداد لإنجاح أيام الشهيد و المعتقل التي ينظمها النهج الديمقراطي القاعدي
في نسختها الثانية تحت شعار "صمود ومقاومة الحركة الطلابية إسهام متواصل في مسيرة تحرر الشعب المغربي" عرف الشارع
المغربي في العديد من مناطقه المجروحة استمرار قوي للانتفاضة الشعبية المجيدة 20
فبراير، حركة و فعلا نضاليا و إسهاما بارزا للنهج الديمقراطي القاعدي الذي أدى
الضريبة عبر الزج بخيرة مناضليه وراء القضبان و اغتيال خيرة أبناء الشعب بدم بارد، لا زلت أتذكر و ذاكرتي قوية، لن تستطيع
براغيث النظام
القائم أن تمحوها بسهولة، في يوم مشمس اسمه الأحد تؤدى فيه طقوس الكنائس كان لي رأي آخر و التزاما
مني كمناضل يهمه مستقبل أبناء الشعب في التحرر من نير الاستغلال و الاستعمار الجديد، اتجهت صوب مدينة فاس من أجل إنجاح مسيرة نضالية
و لكن كعادتها الكلاب القمعية طوقت و راقبت كل المنافذ و حاصرت حصارها كما يقول
الشاعر "محمود درويش" وتم اعتقالي رفقة احد الطلبة، و انهالت علينا
العصي و الأيادي المتسخة بالصفع، وما كان يستفزهم هو الشعار التاريخي "الشعب
يريد إسقاط النظام" و كأن الذي لم يرفع هذا الشعار لم ينل حصته من حقارة و
إجرام هذا النظام اللقيط من داخل سجن كبير اسمه المغرب، وبعد ذلك تم جري و إيداعي بسيارة "الصطافيط
زرقاء" محملة بالبهائم الزرقاء "السيمي" انهالت علي أقدامهم كما
تنهال على كلب مسعور ضد مغتصبي المغرب، كما قال مغني الراب "معاذ
الحاقد" سياسة جوع كلبك....نخاف يعضك" و بعد هذه الجولات القمعية، كان
لي موعد مع جولة ثالثة و هذه المرة مع الآلات القمعية الزرقاء و الخضراء المرابطين
أمام " السلايكي" في زمن انتهى عهد المرابطين و استمر "العلويين"
تحت ظهير الحماية الاستعمارية، و حتما ذاهبون إلى الزوال تحت أقدام دعاة الحرية، بعدما تم إنزالنا قسرا أمام " المرابطين" في هذه اللحظة لن أنسى كيف تم ضربي بوحشية مفرطة تلم عن سادية مرضية، و بعد
ذلك تم رميي في حفرة مليئة بالأزبال و أنا أدور مثل الكرة و قد ارتخت قدماي و بعد جهد كبير استطعت جرها
لحدود الشارع فوجدني أحد أصدقائي من الطلبة و كانت عيني زرقاء و لكنها مثل اليمامة ترى
الأفق البعيد، بعدها صعدت سيارة تاكسي حمراء و اتجهت صوب الجامعة، و رفعت حالة
استنفار كما دأبت عادة الطلبة و الرفاق الأحرار وتم التنديد بالجريمة النكراء...
التجربة
الثانية:بتاريخ 22 مايو 2014
الموسم الذي
أغلق فيه الحي الجامعي ذكور، المعلمة الثقافية و التاريخية، قبل تهديمه في عهد
الحكومة الظلامية، و ما رافقه من أشكال نضالية متميزة و إبداعية، و على مقربة من
التاريخ الذي دونه الشهيد الغالي مصطفى مزياني بمداد الفخر و الاعتزاز، يوم 3
يونيو 2014، انطلاق الإضراب المفتوح عن الطعام و الذي وصل قطاره 72 يوما لا
تنسى، في ذلك اليوم و رغم الداء والأعداء و استمناء النظام والظلام و رقصتهم التي
لم تدم طويلا لمحاولة إقبار التوجه المكافح النهج الديمقراطي القاعدي، عبر هندسة
مؤامرة 24 ابريل الدنيئة، استمرت الجماهير الطلابية بقيادة مناضليها في المعركة
التاريخية عبر الاستمرار في مبيت ليلي من داخل الساحة الجامعية و إضراب عن الطعام
لمدة 24 ساعة على مستوى تواجد النهج الديمقراطي القاعدي (مكناس،فاس،تازة،القنيطرة)
وبعدما أرخى علينا
الليل سدوله، هناك من كان يفكر لإعطاء الأوامر لمحو آثار الجريمة قبل ارتكابها، و بالفعل هذا ما كان عبر تدخل
الجحافل القمعية على الساعة الرابعة صباحا تحت سابق الإصرار و الترصد تلتها
المطاردة الهتشكوكية، إلى حين اعتقالي على مقربة أمتار من مقبرة " ويسلان " أمام
كلية العلوم من طرف 12 عنصر قمعي بالزي المدني، حيث انهالت علي بعصي حديدية على مستوى الكتف مما جعلني أخر أرضا و يلتصق
بلباسي سنابل الزرع "الخرطال" و على الساعة السادسة صباحا تقريبا، كان
لي موعد مع ولاية القمع بفاس، حيث اجتزت 5 ساعات من الاستنطاق و التنكيل، و خاصة
من طرف الجلاد المسمى " السويري" الذائع الصيت ومع انتهاء التحقيق تم صفعي أكثر من خمس مرات عل
مستوى الأذن و قالوا لي " راه الخوانجية شاهدين فيك أولد الق..."
غادي ضرب شي عامين"، و كل هذا كان فقط من اجل ترهيبي و إنزال معنوياتي، ولكن
هيهات لكل من رضع من ثدي القلعة الحمراء و عرف القاعديين كفكر وممارسة
و تصور و برنامج أن تنال منه مثل هاته
الأساليب الإجرامية و قد قال لي الجلاد كذلك"أنت من الزريعة الجديدة "
ولكن للأسف لا يعرف الجلاد أرضنا الحبيبة تنجب من رحمها مناضلين أبطال لا يعرفون
للخذلان عنوان، فبعد هذه الخمس ساعات المنهكة للجلاد و المحفزة لي للاستمرار على
درب النضال، تم فرض إطلاق سراحي و استقليت سيارة تاكسي حمراء وعدت إلى أحضان أمي
الثانية ظهر المهراز بنفس السنابل التي بقيت عالقة في ملابسي .
التجربة الثالثة:بتاريخ 31 غشت 2018
بالضبط يوم الجمعة على الساعة الثالثة
مساءا بالقرب من منزلي الذي أقيم فيه في مقدمة سلاسل جبال الريف
"تاونات" بعد أن تناولنا وجبة الغذاء رفق احد الرفاق إلى جانب عائلتي،
خرجت أنا ورفيقي من المنزل دون أن أنتبه على أن الكلاب البوليسية كانت تراقبنا،
حيث أنهم لم يتركوا أثر يوحي بتواجد سياراتهم القمعية، و الغريب في الأمر أنهم
اختطفوني بعد ذهاب رفيقي في سيارة الأجرة، و أنا في طريقي إلى منزلي سأشعر بحركة
غريبة و من دون توقع إلى أن تم اختطافي، وقد رآني احد الأشخاص و لكن الكلاب أخبرته
بأن يصمت، و بقينا ننتظر في الشارع إلى حين وصلت سيارة قمعية من نوع " partner" و قادتني إلى ولاية القمع بتاونات، و بعد ساعات من التحقيق
و التنكيل، تم إيداعي " بلاكاب" وقضيت الليل بكامله، إلى أن قدمت الكلاب
من فاس لاقتيادي إلى مخفر القمع بفاس، يوم السبت1 شتنبر 2018 فقضيت ليلتين كاملتين
من داخل القبو، اقل ما يمكن القول عنه أنه لا يليق حتى بالخنازير، وهناك تعرفت على
العديد من تقيحات المجتمع الناتجة عن الأزمة البنيوية للنظام القائم، و أكثر ما أثار
انتباهي بقدوم احد الأشخاص ورجله نصف مبتورة و هو في حالة اعتقال بعدما احرق جناحا
في المستشفى الجامعي "CHU" جراء إهماله و هو مبتور الفخذ إثر عملية لاستئصال السرطان، فواقع
مستشفياتنا لا يخفى عن احد، عند احتجاجه تعرض لضرب بشع من طرف جلاد متواجد
"بلاكاب"هذه فقط حالة من عشرات الحالات الأخرى ساترك فرصة أخرى للدردشة
فيها مع الطلبة، و الرفاق من داخل الساحة الجامعية، و من بين الأشياء التي تؤرق
الجلادين و المحققين هي قولهم لي" طلعتو لينا فراسنا الرفاق و الطلبة، مابغيتوش
تقيلونا أولاد الق... خلينا ليكوم الجامعة و انتوما كتخرجو طوالو رجليكوم.... بقاو
غير فالجامعة....." و في صبيحة يوم الاثنين تم اقتيادي إلى "المحكمة
الابتدائية" ، و قبل الاستماع إلي من طرف وكيل الكمبرادور أمضيت أزيد من خمس
ساعات و أنا فيما يعرف "بالكروا" التي تتواجد من داخلها ثلاث سيلونات و
قد تم إيداعي السجن السيء الذكر "بوركايز" بتاريخ 3 شتنبر 2018 على
الساعة السادسة مساءا بعد جولة ماراطونية مع"الدرك" امتدت أزيد من 8 كلم
من "المحكمة "إلى" بوركايز" أنا بسيارة لحمل البضائع و
البهائم، مكتظة و تخنق الأنفاس، فكادت يدي المصفدة أن تقطع من مكانها لضيق المساحة
و كثرة المعتقلين.
سأتوقف
لحدود هاته الأسطر قليلا سأترك واقع السجن و الواقع الموضوعي في فرصة أخرى .
وفي الختام أريد أن أذكركم أن صرختي لم
تدوي بعد من داخل السجن وفي المستقبل القريب سيكمل قطارنا الذي أنطلق في الماضي
القريب مشواره الطويل أنا و رفاقي الذين يتقاسمون معي السجن، محملا بقناعات
فولاذية لا تلين، و ختاما أقول كما جاء على لسان أحد المناضلين "خلقت الطيور
لا لتوضع في الأقفاص، بل لتحلق عاليا"
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق