30 نونبر 2017
المعتقل السياسي:
عبد الوهاب الرمادي
رقم الاعتقال:
20020
السجن المحلي
تولال بمكناس ـ المغرب ـ
فاجعة الصويرة : النقد الدموي لمغرب الأوهام
غالبيتهن نساء
طاعنات في السن، قادمات من المغرب المنسي والمهمش، منهن المطلقات منهن الأرامل،
ومنهن من يوجد زوجها أو معيلها داخل السجن رهن الاعتقال. و معهم رجال عاطلون عن
العمل يغدون في الصباح ويروحون في المساء على وقع طلبات عدد كبير من الأفواه
المفتوحة التي تنتظر من يسد رمقها. كلهم قطعوا ليلا مسافات طويلة، وباتوا في البرد
والعراء، مصطفين في طابور من الثانية صباحا إلى مايقارب منتصف النهار، كل هذا من
أجل قفة هزيلة لا تساوي سوى بضع دريهمات. ولأنهم منهكون بالفقر والحاجة ولا يعرفون
طعم ومعنى الحياة. و لأن من عادة تجار الدين استرخاص دم البشر وحياتهم، فقد حصلت
المأساة، في مشاهد درامية مفجعة، تدمي القلب وتبكي العين، وكانت الحصيلة المؤلمة،
سقوط 15 شهيدا، بينهم 14 من النساء. هذه المأساة بكل هولها أماطت اللثام عن واقع
مفزع، لبلد غريب، لكثرة ما أغرقوه بمساحيق التجميل الوهمية، أصبح يقال عنه أنه
"أجمل بلد في العالم"، ولو أن هذه الفاجعة حصلت في مكان معزول وليس في
سوق أسبوعي لسارع لصناع الأوهام و العياشة إلى نفيها و
إرجاعها إلى بلد أخر. و تخوين كل من يحاول كشف نور الحقيقة.
إرجاعها إلى بلد أخر. و تخوين كل من يحاول كشف نور الحقيقة.
إن فاجعة الصويرة،
سقوط العدد الكبير من الشهداء تحت النعال والأقدام، جاءت امتدادا لسلسلة من
الأحداث والوقائع المشابهة، فلم تمر سوى سنة واحدة على استشهاد "محسن
فكري"، بطريقة بشعة طحنا في حاوية أزبال، ولم تمر سوى أسابيع على سقوط واحدة
من نساء المغرب طحنا بالأقدام أمام معبر العار -سبتة- المحتلة، ...
إن وقوع المأساة في
هذه الظرفية، حمل العديد من الأبعاد والدلالات:
-
لقد جاءت المأساة ليلة السبت 18 نونبر صبيحة
الأحد 19 نونبر، تزامنا مع الاحتفال الرسمي لما يسمى "عيد الاستقلال".
فكأن الصدفة انسجمت و أعلنت تحقق الضرورة. كي تعلن نساء منطقة "بولعلام"،
بجثتهن، إدانتهن بلغة الدم لكل المطبلين لوهم الاستقلال، معلنات حقيقته، كونه لم
يكن سوى استقلالا شكليا، وعنوانا لدخول المغرب مرحلة الاستعمار الجديد، بعد أن غير
الاستعمار شكل وجوده. وتحت ظله تم تصفية ما تبقى من أبطال المقاومة المسلحة وجيش
التحرير، سواء بالتدخل المباشر للقوى الاستعمارية أو بتوظيف أداتها المحلية، أي
النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي.
-
جاءت المأساة أيضا في هذا التوقيت لتفضح
حقيقة الأوهام التي يروجها ناهبي ومغتصبي خيرات شعبنا، وحقيقة الأحلام الزائفة
التي ينثرونها يمينا وشمالا، لتخدير الشعب وشرعنة النهب والاستغلال. إذ أكدت حقيقة
مغرب ال"TGV"، و"القمر
الصناعي"، و"القوة الاقتصادية الأولى القائدة للقارة الإفريقية" و "البلد
المصدر للمساعدات الإنسانية نحو الشعوب المنكوبة والمسحوقة"، بل حتى نحو
بلدان البترودولار !!؟
-
وتزامنت المأساة مع المصادقة على مشروع
ميزانية 2018، مؤكدة انسجامه مع مرامي سياسة الإقصاء و التفقير والتجويع، وتكريس
واقع الاستغلال و الاضطهاد الطبقيين، واقع تجميد الأجور و الزيادة في الأسعار ورفع
الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية، وتهميش وتحييد أبناء الشعب من أمثال نساء
منطقة "بولعلام" الصويرة، ومنح أكبر الامتيازات لأصحاب الرساميل و
الشركات الكبرى وأباطرة العقار ومبيضي الأموال ومهربيها !!؟
-
وتزامنت أيضا مع تلك الدراسة التي أنجزها "المجلس
الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" مع " بنك المغرب"، التي قالت بأن
الثروة الإجمالية للمغرب تضاعفت ما بين 1999 و 2013، وبأنه تم التقليص من الفقر
والأمية وتعميم التعليم...الخ. كي تعلن (فاجعة الصويرة) إدانة وتكذيب ما جاء في
هذه الدراسة الوردية، ولكل الدراسات الوهمية تعتمد تزوير الأرقام ونفخ النسب
والتلاعب في كشوفات الحسابات، جاءت تأكيدا لحقيقة النهب والاستغلال، لأن الثروة
التي تضاعفت عشرات المرات، هي ثروة خدام نظام الاستعمار الجديد بمختلف تلاوينه، الذين أتوا على الأخضر واليابس، وشردوا الشعب
وجوعوه، ليعاودوا الاتجار في معاناته، ليجعلوه يسترخص حياته في سبيل بضع كيلو
غرامات من الدقيق وقارورة زيت، وحتى الموت جعلوه يموت موتة الذل والمهانة !!؟
لقد شكلت المأساة، نقدا دمويا، لتجار
الدين والمآسي، وبشكل خاص، للتنظيم الظلامي الحاضن للإرهاب المسمى ب" العدالة
والتنمية"، الذي له دورا مهما في كبح انتفاضة 20 فبراير وقسم ظهر الحركة التي
تولدت عنها، وصعد على دماء الشهداء والمنتفضين ليكون أداة اغتيال الطموحات
والأحلام الحقيقية لشعبنا في الحرية والعيش الكريم، وأداة تمرير أخطر المخططات
التصفوية التي عجز النظام عن تمريرها حتى في مرحلة " التناوب التوافقي"
إلغاء دعم المواد الأساسية لاستهداف صندوق المقاصة، الزيادة في سن التقاعد، إغراق
البلاد بالديون الخارجية، استكمال مسلسل الخوصصة فالاستفادة من أبسط الحقوق
(التعليم، التطبيب...) أصبح مؤدا عنه، بل حتى الحق في الإضراب أصبح مؤدا عنه. وهو
الذي لطالما استغل آلاف من أمثال النساء / شهيدات الصويرة، كقاعدة انتخابية تحت شعارات
ممسوخة: "دعم الأرامل والمطلقات" ... الخ، وهي الآن محط الإدانة وبلغة
الدم.
إن مآسي شعبنا لا تعد ولا تحصى
أما أعدائه فعلى أساس ذلك يشيدون أمجادهم، وهم ماضون في خدمة مشاريعهم وترجمة
مخططاتهم التصفوية، ولقد ثقبوا مسامعنا بكثرة الشعارات الوهمية المعسولة، وبكثرة
الصناديق المملوءة بالملايير، المقال عنها أنها لدعم الفقراء بالعالم القروي
وبهوامش المدن. لكن المؤسف أن يستمر غياب ذلك الصوت المعبر حقيقة عن طموحات أبناء
وبنات شعبنا، ضمن مشروع مجتمعي متكامل، ووفق خط سياسي وبرنامجي. صوت حقيقي قادر
على إيقاف هذا النزيف، وردع مصاصي دماء شعبنا، صوت يقول بأن فقراء ومعدمي هذا
الوطن ليسوا في حاجة إلى صدقاتهم وعطاياهم الممزوجة بكل أنواع الذل والنفاق الديني
والسياسي، وبأنهم محتاجون لحقهم في الثروة الفوسفاطية والسمكية والطاقية والمعدنية
و الفلاحية وغيرها. صوت يعلن صراحة ـ ويترجم ذلك في ممارسته ـ بأن ذلك لا يمكن أن
يتحقق ضمن النظام الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي الحالي، وبأنه لابد من نظام بديل
ينفيه، فيه فقط يمسك الشعب بزمام سلطته، ويتنفس نسيم الحرية، ويتذوق طعم العيش
الكريم.