01 غشت 2017
السجن المحلي بتازة
المعتقل السياسي :
بلقاسم بن عز
رقم الاعتقال:
76635
في الذكرى الثالثة لاستشهاد المناضل القاعدي
مصطفى مزياني
حتى لا تظل الذكرى مجرد ذكرى
ستظل غشت المجيدة شاهدة على التضحيات الكبيرة
للقاعديين منذ بروزهم أواخر سبعينات القرن الماضي، كاستمرارية نوعية لحركة ثورية
أفرزتها شروط الصراع الضاري بين التحالف الطبقي المسيطر و النقيض الشعبي، و
اختاروا الاصطفاف السافر إلى جانب هذا الأخير
فكرا وبرنامجا و وفق ممارسة سياسية تدحض كل القراءات و التنظيرات
الانهزامية التي ترافق عادة احتدام الصراع، و تؤمن فقط بضرورة و حتمية انتصار
الشعب و أنصار قضاياه العادلة، بهذا لم يكن القاعديين يوما في منأى آلة العنف
الجهنمية التي طالتهم طيلة تاريخهم المشرق، وخير دليل على ذلك و ما لا يمكن لذاكرة
النسيان أن تبلغه - شهادة غشت الحارق الذي
يتزامن و تخليد النهج الديمقراطي القاعدي
لذكرى أربعة من خيرة أبناءه المخلصين، الذين يشكلون أربع عناوين كبرى ستظل موشومة
على جبين النظام القائم، عناوين بارزة للعنف الدموي الذي مورس في حق القاعديين
طيلة عقود من الزمن، و تؤكد بالملموس لمن يحاول قلب الأدوار و تحويل الضحية إلى
جلاد و الجلاد إلى ضحية على حجم الإرهاب و التكالب الممارسين في حق هذه التجربة
الرائدة و المستمرين إلى يومنا هذا.
قبل ثلاثة سنوات من الآن انضاف المزياني بعد
معركة الأمعاء الخاوية إلى قائمة شهداءنا الأبرار، الذين استرخصوا حياتهم خدمة
لقضايا شعبنا المضطهد، الذي عانى و لا زال من كل مظاهر الفقر و القمع المتواصل في
حق كل الرافضين و الأصوات الحرة المعبرة حقيقة عن مطامح و آمال عموم الكادحين من
عمال و فلاحين و معطلين و معدمين...،استشهاد رفيقنا يأتي كتجسيد عملي و تأكيدا لا
مراد فيه عن اصطفاف النهج إلى خندق أصدقاء الشعب بتبنيه لكل مطالبه و الدفاع عن
طموحاته المشروعة في العيش الكريم من جهة و دليلا قاطعا على طبيعة النظام اللاوطني
اللاديمقراطي اللاشعبي الذي بنى أركانه على جماجم الأحرار و الشرفاء، لفسح الطريق
أمام الرأسمال العالمي لنهب ثروات شعبنا و خيراته
ورهن مصير الأجيال القادمة لدى المؤسسات المالية الدولية المتوحشة من جهة
أخرى، وهو ما يخلف واقعا اقتصاديا و اجتماعيا مترديا لم تجد الجماهير المقهورة سوى
حناجرها و النزول للشوارع للانتفاض على أوضاعها و التعبير عن إرادتها في التغيير و
توقها إلى الإنعتاق من ربقة مصاصي دماءها، جوبهت بالحديد و النار إبان مسيرات 20
فبراير، لتكمل القوى الرجعية و الإصلاحية الضيقة الأفق عملية الالتفاف و اغتيال إفرازات
الانتفاضة، وبقي الشعب يواجه مصيره في غياب المعبر الحقيقي عن مصالحه و آماله و
يتواصل معه التفقير الممنهج و القمع اليومي لقواه الجذرية، في مقابل استئثار حفنة
المعمرين الجدد بخيرات الأرض و البحر، و كعادته لم يخلف الشعب المغربي موعده و
تجاوز كل القوى السياسية المتخاذلة، ليستنهض قواه ويصنع مشهدا آخر من مشاهد البطولة خاصة بمنطقة الحسيمة
و نواحيها، و المستمر لحدود الآن بأشكال أكثر قوة و زخما، تنم عن تقدم ملحوظ في
وعي المغاربة السياسي بعدما أزاحوا إلى الخلف جميع القوى السياسية العاجزة عن
تقديم أي تصور سياسي لمشاكله اليومية، وتشبثها بخيار المجابهة مع النظام ولغة المسيرات
كخيار لا مناص منه من أجل خلاصها النهائي مما يفرض على النظام و أسلافه الكشف عن
وجههم الحقيقي الذي تخفيه مساحيق بالية من خلال عسكرة المنطقة عن آخرها، وخنق
أنفاس المنتفضين في ما يشبه حالة طوارئ غير معلنة، و اللجوء إلى أساليب إجرامية
غاية في الاحترافية، انكشفت مع يقظة شباب المنطقة و مناضليها التي رصدت كاميرات
هواتفهم همجية آلة القمع البوليسي و هي تنكل بالنساء و تكسر أبواب و واجهات
المنازل و المنشآت لتلفيقها للانتفاضة ومناضليها ومحاكمتهم بملفات جاهزة
ومطبوخة على المقاس.
أساليب و أخرى و إن كانت مألوفة و تتفق مع طبيعة النظام إلا أنها تعري عن
حقيقة الاستثناء المغربي و"نجاح النموذج المغربي" في تجاوز رياح التغير
التي حصدت أعناق أعتا الدكتاتوريات في المنطقة و هي ماضية لا محالة في ذلك.وما
يروج حول استقرار المغرب لا يعدو كونه مجرد دعاية إعلامية و خطابا يائسا لحجب الغليان
الحاصل في صفوف الجماهير المستغلة على امتداد ربوع وطننا الجريح، رغم كل المهدئات
المقدمة خاصة بعد انتفاضة 20 فبراير، إلا أن مفعولها سرعان ما انتهى، بعدما ظلت
نفس الأوضاع قائمة إن لم نقل ازدادت سوءا وبلغت حدودا غير مسبوقة في مختلف
المستويات، و فرض رفض الجماهير لها على النظام و منظريه الإقرار و بشكل رسمي على
سقوط أطروحة الاستقرار و الاستثناء المغربيين، و لعل أحد أبرز تجلياتها وصم عموم
الانتفاضة الشعبية المستمرة بتهديد "امن واستقرار الدولة، والتوجه إلى
المناضلين وتأليب الرأي العام عليهم بزعزعة ولاء المواطنين للعرش" إلى جانب
تجيش بعض الزعماء الورقيين ممن ينتسب إلى ما يسمى بالأغلبية الحكومية بمباركة
الإعلام الرسمي وبعض الأقلام المأجورة لترديد سمفونية معتادة ومفضوحة وصمت في
مجملها إلى الجماهير بحمل نزعات انفصالية وخدمة أجندات معادية "للوحدة
الترابية"، لإعدام أي تضامن جماهيري مع الانتفاضة و محاصرتها حتى تبدو و
كأنها احتجاجات معزولة و أن الأمر يتعلق فقط بشرذمة موجهة من جهات خارجية في أسلوب
لم يعد ليخدع الجماهير برغم من الإشاعات الهائلة المرصودة له. و إن إيمان الجماهير
بقضيتهم لا تزيدهم إلا إصرارا و إرادة في المضي قدما و بشكل أكثر تماسكا في اتجاه
الأفق المنشود، رغم التآمر المستمر إلا أنها دقت أخر مسمار في نعش ما سموه بمغرب
"العهد الجديد" و طي صفحة الماضي، و سقطت معه أوهام الانتقال
الديمقراطي.
إن استشهاد
مصطفى المزياني، جاء في سياق زخم جماهيري كبير و إن كان يعرف بعض الجزر بين الفينة
و الأخرى لعوامل مختلفة، ظل معها القاعديين يؤمنون بحتمية انتصار الجماهير رغم حجم
التآمر، و هو ما عبر عنه الشهيد بشكل صريح في آخر كلمة له في خضم إضرابه عن الطعام
عقب مؤامرة 24 أبريل 2014، كلمة تلخص بعمق لماذا لا يجب أن تظل ذكراه مجرد ذكرى،
تضع الجميع رفاقا و مناضلين و كل من يلبي دعوة تخليدها بمختلف قناعاتهم-و أحييهم
بالمناسبة على تفاعلهم- أمام شهادة و مسؤولية كبيرتين أمام الشهيد و أمام الشعب و
في آخر المطاف أمام النهج.
إن مسألة على قدر كبير من الأهمية تطرح أمامنا و نحن
بصدد تخليد الذكرى الثالثة للشهيد، تنطلق أساسا من استحضار الشهيد ليس كاسم و فقط،
و إنما استحضاره كانتماء إلى فكر العمال و الفلاحين الفقراء و إلى خط سياسي يؤمن و
يراهن على الجماهير، و استشهاده جاء كثمرة لمساهمته في مسيرة تحرر هاته الجماهير
من داخل التجربة القاعدية، نفهم أن أفضل تكريم يمكن أن نخص به الشهيد هو الإنكباب
عبر تفكير عميق في الإجابة على تطلعات الجماهير التي تبرز يوما بعد آخر عن قدرتها
في تغير أوضعها و أن تصب الخطوات العملية المستقبلية في هذا الاتجاه، أي نحو
الارتباط الجذري بالجماهير الشعبية، فالمزياني ناضل وسطها و استشهد وسطها حاملا
معه هموم الطبقات المسحوقة، مما يحتم على المناضلين بهذه المناسبة لئلا تضل
نقاشاتهم هي كل شيء و يصبح الهدف منها لا شيء، أن تنبني على التزامات نضالية عملية
بهذا الصدد، خاصة إذا ما استحضرنا الظرفية التي تأتي فيها تخليد الذكرى هذه السنة
التي تتسم بنهوض جماهيري تتسع رقعته يوما بعد آخر، و ما تستوجبه من ضرورة تموقع
المناضلين و الغيورين من شرفاء هذا الوطن في الموقع الصحيح بأفعالهم لا بأقوالهم و
حسب، بعيدا عن اجترار خطاب الأزمة و إلقاء اللوم على الشروط الذاتية.
لقد قدم الشهيد دروسا و عبرا في مدرسة النضال و كشف لكل
المشككين عن طبيعة المناضل القاعدي في زمن اشتداد الصراع، بشهادته أسقط أوهام
نهاية النهج القاعدي بعدما تسرب اليأس إلى ذوي القناعات المهزوزة، و بدؤوا في
اختلاق روايات الهروب من لهيب الاعتقالات المسعورة و جمعوا أمتعتهم لمغادرة القلعة
تحت جنح الظلام، أدرك في تلك الشروط الصعبة أن النهج في حاجة إلى صمود و تضحيات كل
مناضليه و طاقاته و قواعده و استطاع تدشين معركة قوية بقناعاته الفولاذية و صبره
الذي لا يلين، أن يعيد الأمل إلى الطاقات النضالية وتحفيزها على ضرورة مواصلة درب
المعتقلين السياسيين ،حيث التقت حوله و وضعت أمامها هدف
تجاوز المحنة و مواجهة فصول التآمر و الإيمان بأن النصر حليفنا، إنه مسلك جدير
بمناضل شامخ أنكر ذاته و عانق السماء بكل فخر و اعتزاز. فقد ترك لرفاقه إرثا
نضاليا عظيما ورسخ في أذهانهم قناعات المناضل وخصال المناضل وسلوك المناضل في شروط
فعل معقدة، أوصى رفاقه بضرورة التلاحم بينهم وعدم التفريط في ضوابطهم و مبادئهم
تحت أي اعتبار كيفما كان كشرط لممارسة نضالية و سياسية سليمة في علاقات الرفاق
ببعضهم و في علاقتهم بالجماهير، وعدم التردد في رفض كل العناصر المترددة و المخربة
المصابة بمرض الزعماتية، رغم ما يمكن أن يظهروه من حماسة ثورية. ومهمتكم أيضا أيها
الرفاق و إن كنتم تبدلون مجهودات منقطعة النظير في إتمام المشوار، لا البكاء على
قبر الشهيد، و إنما فهم الرسائل المستشفة من تجربته و ترجمة وصايا ليست من وحي
أفراد يجلسون فوق الأبراج العالية، بقدر ما أنها نابعة من مناضل صادق مع ذاته و مع
رفاقه، وتحكمه مصلحة توجهكم ولم يرغب ولم
يطلب أن يدون أقواله بحثا عن الخلود، فهو
خالد بإرثه و خطاه التي لا زالت ظهر المهراز تحفظها و لازالت ذاكرة رفاقه ورفيقاته
تسترجع تفاصيلها... ولدي اليقين أنهم سيجعلونها نبراسا في طريقهم الطويل و الشاق.
"نحن نبني لكم القصور وأنتم تحفرون لنا
القبور، وبين جمال القصر و ظلمة القبر تسير الإنسانية بأقدام من حديد"
ج.خ.ج
ملاحظة: هذا النقاش لم يكتمل، فمجموعة من
الأفكار لم يتم التفصيل فيها و عرضها بالشكل المطلوب، وبعضها الآخر لم تسنح لنا
الفرصة لطرحها للنقاش و ذلك راجع بالأساس إلى إمكانيات و ظروف السجن الصعبة خاصة
التطورات الحاصلة مؤخرا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق