في 02 ماي 2017
السجن المحلي بتازة
المعتقل السياسي: بلقاسم بن عز
رقم الاعتقال: 76635
الأبرياء الذين تعددت مصادر اتهامهم -2-
في إيقاع التآمر المستمر و الصراع المرير بين القيد و الحرية، ندشن العام الرابع من الاعتقال، في ظروف رهيبة يقف فيها المناضل المعتقل بإمكاناته المحدودة في مقاومة الاختراق وقساوة السجن اليومية، مزود أساسا بقناعاته التي لن تلين ومبادئه الراسخة غير القابلة للتصحر حيث يظل الوفاء للموقف و الانتماء للنهج الديمقراطي القاعدي، الخط الأحمر الذي لا يمكن القفز عليه، أو الجدال حوله تحت أي اعتبار كيفما كان، فبالرغم من الاختلال المهول لموازين القوى، إلا أننا تحملنا كل الضربات و المواجع، و وضعنا في صلب اهتماماتنا وضمن أولوياتنا مواجهة مختلف فصول التآمر، و الوقوف بصرامة في كل أوجه الترويض و التركيع و الاحتواء ، و إن كانت الضريبة و الخيار مكلفين، فليس من شيمنا الانحناء للعاصفة وعند مرورها نشرع في استعراض عضلات اللسان، وانتقاء الشعارات المنمقة و الجمل الثورية لتبرير العجز بقدر ما انطلقنا مرفوعي الرؤوس ونحن نساق نحو شفرات المقصلة الحادة، وبصدور عارية سرنا لاستقبال لهيب جهنم.
ندشن العام الرابع
من الفراق و المعاناة و الثبات، ونحن نقف بكل فخر و اعتزاز على مبدئية وتضحيات
رفاقنا و رفيقاتنا في النهج الديمقراطي القاعدي، و عن تشبثهم و قناعاتهم ببراءة و
انتماء معتقليهم السياسيين، نقف عند دعم ومساندة المناضلين/ت ولو أفرادا لنا و
لعائلاتنا المكلومة من هول الجريمة/ الفاجعة، ونسجل صدق ووفاء الأصدقاء و الرفاق
لا سواء من تقاسموا معنا فصول عذابات السجن و لا كذلك من جمعتنا بهم دروب السياسة
و تفاصيل الحياة.
هي إذن تجربة
نعيشها مليئة بالدروس و العبر، و واحدة من أكبر التجارب قساوة على أبناءها في زمن
سياسي رديء، بعد أن فقدنا رفيقا و صديقا و أخا أدى حياته ثمن عشقه للحرية، وهو إذ
ذاك في زهرة شبابه، وزج بشباب مناضل في غياهب السجون و الحكم عليهم بقضاء أزهى
فترات شبابهم خلف الأسوار، بدعم يكاد يكون منعدما وتجريم تعددت خلفياته وصوره. إلا
أنهم استمروا في طريقهم الذي اختاروه عن قناعة وهم واعون أنه طريق مليء بالأشواك و
العقبات و الأحزان، ولم يكثرتوا للمصاعب في أسمى صور نكران الذات، فلم يكن قصدنا
يوما أن نصبح رموزا يحتفى بها في المهرجانات و المحافل النضالية، ولا أن تعلق
الأوسمة المرصعة بالذهب على صدورنا، قمنا بواجبنا في محاولة الإجابة عن ذاك السؤال
الصعب الذي يطرحه التاريخ عبر كل الأجيال، نعرف كيف وما يترتب عن تأجيج الصراع وباتت مع ذلك
أحلامنا تتجه صوب بناء مجتمع الإنسانية، وطن يتسع لجميع أبناءه، شباب متعلم لا
يخاف المجهول ليرمي بنفسه في أعماق البحار كي تلتهمه الحيتان البحرية بعد أن نهشت
البرية منها جسده و أحلامه في الوقت الذي استأثرت فيه أقلية صغيرة بثروات بلاده،
أطفال يستيقظون في دفئ أمهاتهم ويتناولون وجبة إفطار متكاملة قبل الذهاب إلى مدرسة
تنتشلهم من براثين الجهل، ولا يضعون حدا لحياتهم نتيجة عجز أسرهم عن توفير
مستلزمات الفصل الدراسي، نساء لا يعانين من النظرة الدونية التي كرسها جهابذة
الظلام، وحكمت عليهن ككائن ناقص العقل يلبي النزوات البهيمية لأمثالهم و آلة
لتفريخ الأطفال، و شابات لا يسقطن جراء التهميش و الإقصاء فريسة سهلة في قبضة
مافيات الدعارة، ليتحولن بعد التنكر لهن إلى بضاعة تعرض على أرصفة الشوارع بحثا عن
لقمة عيش موبوءة، وطن لا يخطف منا ابتسامة إيديا الجميلة، بعد أن قتلوها بدم بارد
فقط لأنها ليست ابنة مدللة لإحدى سيدات المجتمع المخملي، وتوارت عن الأنظار كل
المروحيات و الوحدات الطبية المتنقلة التي يفتخرون بها في إعلامهم الرسمي عن إنقاذ
براءتها.انصرفنا في حلنا و ترحالنا لخدمة القضية بتفان و إخلاص، ومددنا جسور
التواصل مع الجماهير عبر الالتحام بها و الاتصال بنبضها،بعدما أخذت بوادر عهد جديد
ترتسم في الأفق حيث رياح الحرية استطاعت اكتساح الحدود و اختراق الخطوط الحمراء و
هدم الأسوار و إسقاط روح التردد و الاستسلام، ولكن سيادة العجز و التقهقر و خيبات
الأمل أحبط كل الإنتظارات، وصعد التطرف الداعشي ونسخته في مجتمعنا و الذي وجد دعما
قويا وتربة خصبة لتوغله وتغوله في كل مناحي الحياة باغتياله لكل الطموحات وكل ما
هو مشرق في بلدنا،بعد أن تبوأ مراكز "القرار النسبي" على أرواح و دماء
شهداء 20 فبراير و معاناة معتقليها السياسيين ليثبت باعه الطويل و احترافه الإجرام
و التقتيل و التفقير، و إغراق المجتمع في كل مظاهر البؤس و التخلف و الرجوع به إلى
ما قبل القرون الوسطى على مختلف الأصعدة، بامتطاء شعارات الغرض منها دغدغة مشاعر
الشعب المغلوب على أمره، أكدت التجربة الملموسة كونها لا تعدوا أن تكون سبيلا لا
أكثر من أجل الوصول إلى السلطة بغية الاستفادة من كل الامتيازات التي تخولها إلى
أصحابها بهدف تقوية نفوذهم و بسط سيطرتهم على كل مفاصل المجتمع.
أمام هذا الوضع
وبغض النظر عن تلك المرارة و ذاك الإحساس المؤلم الذي يعقب الآمال المجهضة، استمر
القاعديين فكرا و ممارسة في تدليل الصعاب و إبراز سدادة تصورهم السياسي الذي يعكس
واقعيا طموحات كل المضطهدين بوطننا الجريح و يحمل في عمقه مشروعا جوهره إعادة للإنسان
إنسانيته، و استحضروا دوما ضرورة ربط نضالات الحركة الطلابية باعتبارها جزءا لا يتجزأ
من حركة التحرر الوطني بنضال وهموم الجماهير الشعبية، و إعطاءها بعدا تحرريا
يتقاطع مع روح تصورهم السياسي العام، وتجسيدهم لذلك في مبادراتهم وفعلهم اليومي
رغم صعوبته وتعقيداته ووفق فهم سياسي يتفق و التحليل الملموس للواقع الملموس،
جعلهم في فوهة نيران الاستهداف بهدف كسر شوكتهم بمخططات مضبوطة و مدروسة بعناية
فائقة الدقة، و في الآن نفسه محط أطماع تجار المبادئ من المتربصين وهواة الاسترزاق
الخاملون على هامش الحركة و الصراع بمختلف مشاربهم و حساباتهم الضيقة في لحظات
حرجة وفترات حساسة، كانت بالأحرى تقتضي التحلي بروح النضج و المسؤولية، وهو ما غاب
للأسف ولم نلمسه في تصرفات وتعاطي المتشدقين بعبارات "الثورة" و
المتحمسين الحالمين، البعيدين عن حرارة الفعل ولهيبه مع النهج رغم الحصار المضروب
عنهن ومناضليه الذين لم يشفع لهم لا ثقل الملفات و التهم الثقيلة الملفوفة على
رقابهم، ولا حجم التعذيب الممارس في حقهم وحملات الاعتقال المسعورة في صفوفهم إبان
مؤامرة 24 أبريل 2014.
يتضح
الأمر جليا من خلال إعطاء قراءات مختلفة ومتعددة تقف مع الواقع على طرفي نقيض،
انطلقت منها صناع المآسي لتصريف مواقف مخزية، ستظل وصمة عار على جبينهم فبين من
ابتلع لسانه و أصيب بالخزي، وبين من حاول تطويع الواقع قسرا لينسجم مع الرهان
الوهمي "لمجيمعات العشاق" -عشاق التيه بين كل الأشياء، طبعا، وليس بين
جهات الصراع الحارقة- المصابة بالغباء
السياسي، و المتضلعة في تزييف الحقائق، واختلاق روايات و مبررات واهية ومغالطة
الرأي العام المناضل للتغطية عن تخلفها عن دعم القضية وتبرئة ذمتها من إفرازات الصراع تارة، و عزل الرفاق
بالسجن تمهيدا لاحتواء النهج و وضعه تحت تصرفهم تارة أخرى مستغلين بذلك قوة و حجم الضربة الموجهة للحركة وقيادتها في
زمن سياسي دقيق إلى حد أصبح عملهم هذا يرتبط بشكل وثيق مع واقع التآمر الحاصل ،
خصوصا إذا ما اعتبرنا أن هذا السلوك انطلق بدوره قبل التنفيذ الرسمي لمؤامرة 24
ابريل 2014، بأساليب محكمة و موجهة كما ذكرنا، و تسخير حفنة من الدجالين المعزولة
سياسيا و جماهيريا، وإطلاق العنان لها للتطاول على المناضلين بوقاحة مقيتة. فبينما
اقتصر "منظرهم" في تسديد الضربات عن طريق "توجيهات" محظورة
للنقاش على التلاميذ النجباء، وتقمصه شخصيات فيسبوكية بأسماء وهمية لستر عورته
لئلا يفتضح أمره أمام المناضلين الذين أسقطوا عنه آخر أوراق التوت، لينكشف بذلك
عداءه السافر لجيل من المناضلين الشرفاء، انطلقت النعاج البكماء بعد تقسيم الأدوار
في حملة مسعورة لترجمة الخطط وتنفيذ الأوامر الصادرة من "فوق" القاضية
بجلد القاعديين مع الحرص على القليل من الدهاء و الحذر وكيل سيل من الاتهامات وصلت
حد نزع الصفة السياسية عن معتقلي مؤامرة 24 أبريل2014 و وصفهم
"بالمجرمين" و "العصابات المسلحة"... عبر نقاشات مسترسلة وغير
مباشرة – هكذا بدت لهم – لنشر سمومهم وتعميق جراح المعتقلين كلما أتيحت الفرصة
لذلك كما حصل لما تجرأت "البطة السمينة" التي شمرت عن سواعدها الغليظة
لتشرع مستلهمة قاموس القوى الظلامية و البوليس في وابل من السب و الشتم في حق
النهج ومعتقليه منتهزة بذلك تجمع لطالبات
الحي الجامعي 2 بظهر المهراز بمعية المناضلات اللواتي كن بصدد عقد نقاش حول حيثيات
المؤامرة و ما ترتب عنها من مداهمات و اختطافات طالت المناضلين في تلك الفترة
الصعبة، إلا أن ذكاء الرفيقات وقناعاتهن وتشبثهن ببراءة رفاقهن من كل ما يروج ضدهم
حال دون أن تنطلي عليهن مثل هاته الخرجات، التي لم تفلح صاحبتها في إتقانها مما
جعل صافرات الاستهجان و التنديد تطاردها إلى أن غادرت الحي و هي تجر ذيل الهزيمة و
الخيبة، في موقف مشرف يسجل للرفيقات إلى جانب طالبات ظهر المهراز أثلج صدرنا و خلف
أثرا عميقا في نفوسنا ونحن خلف القضبان في زمن قال فيه هؤلاء موجهين خطابهم
للمعتقلين"لن تجدوا بعد الآن حتى من يرفع أسماءكم في ساحة 20 يناير"
وبدوري أقول لهم و الآن من هنا، يكفيكم أن تمروا بمحاذاة ذاك المكان، لتهز مسامعكم
أسماء المعتقلين القاعديين وهي تحلق في سماء ظهر المهراز العظيمة. لم يقتصر الأمر
عند هذا الحد حيث انخرط البعض الآخر في مسلسل من التعبئة و الافتراء على الشرفاء
بتوظيف مختلف الأسلحة حتى تلك المحظورة نضاليا، لم يسلم منها كل من يصادفهم بل حتى
المناضلين في جل المواقع و المدن، لما كانوا ينظمون جولات مكوكية و غزوات فيسبوكية
ليس من أجل بحث سبل دفع عجلة الصراع إلى الأمام، و إنما لتقوية فرص عزلنا و جعل
المناضلين ممن أبانوا عن مواقف مشرفة يراجعون تعاطفهم مع القضية و تغيير مواقفهم
إزاء مؤامرة 24 أبريل و غالبا ما صاحبت هاته الخرجات لحظات حساسة ومصيرية، كما هو
الشأن بالنسبة لتلك التي صدرت عن شيخ "تجمع العشاق" يومين فقط قبل مقصلة
يونيو 2015، عندما اهتزت أركان شارع "فلورانس"على وقع القرن و 11 سنة، وصرخات
الأمهات و المناضلين تخترق مسامع الجالسين على موائد الإفطار في ذاك المساء المظلم
من أول أيام رمضان، عبر توجيه صارم عبارة عن تحذير موجه إلى المناضلين في مقال
منشور يحثهم فيه على ضرورة الانتباه إلى كون جبهتان للصراع مخترقتان و الكلام هنا
عن الحركة الطلابية بفاس ولجنة عائلات المعتقلين السياسيين بفاس، و على أخذ مسافة
بين هؤلاء المناضلين وبين معتقلي مؤامرة 24 أبريل للسبب نفسه ᴉᴉ لكن إلى ذلك الحين فلينورونا "حماة الأمن
الثوري" على كيفية حصول هذا الاختراق؟ و متى ؟ ولصالح من؟...يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق