الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

السجن المحلي عين قادوس// المعتقل السياسي عز العرب شكرود// شهادة التعذيب (الجزء الثاني)

السجن السيء الدكر عين قادوس
               ـ فاس ـ
المعتقل السياسي :عز العرب شكرود (عبد الرزاق) 
رقم الاعتقال: 3902
حي التوبة: الغرفة 5
شهادة التعذيب (الجزء الثاني) 

تحية إلى كل الرفاق(ت) إلى كل المناضلين الشرفاء الجزء الثاني
ظروف وحيثيات الاعتقال والتعذيب
.... لن يختلف اثنان في شيء، على حجم المعارك الطاحنة التي شهدتها في السنوات الأخيرة جامعة محمد بن عبد الله (فاس: ظهر المهراز وسايس، وتازة) والتي وصلت إلى مستويات جد متقدمة بعنوان قوامه التضحيات الجسام، إد لم يمر موسم نضالي دون تسجيل عدد لا يستهان به من الاعتقالات، توزع على اثرها عقود من السجون ويرمى بخيرات المناضلين(ت) خلف القضبان، ولم تخلوا من سقوط الشهادات، والشهيدين محمد الفيزازي  ومصطفى مزياني نموذجا لتضحية جسدت فيها نكران الذات والوفاء والاخلاص للقضية العادلة، باصمين بدمائهم الزكية في التاريخ النضالي لشعبنا المقهور، المتطلع للتحرر والانعتاق.
وضمن هاته المعارك المستمرة والمتواصلة خيضت السنة المنصرمة العديد من الخطوات النضالية، توجت بمقاطعة الامتحانات ولمرات عدة (كلية العلوم ظهر المهراز نموذج)، وكعادته انسجاما وطبيعته تعاطى معها النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي بلغة القمع وإراقة الدماء في مجازر دموية (1 فبراير و14 مارس 2016). تحتفظ وتشهد على حجم إجرام النظام، وتحتفظ وتشهد بالمقابل على صمود ومقاومة قل نظيرها دفاعا عن القضية والموقف، وعلى اعتقال العشرات من الطلبة والمناضلين، وسن مدكرات البحت في حق اخرين والتي على اثرها توالت الاعتقالات/ الاختطافات المستمرة باقتطاف الزهور اليانعة من وسط ربيع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنهج الديمقراطي القاعدي.
في هدا السياق جاء اعتقالي اسبوعا على تخليد الذكرى السنوية الثانية لاغتيال رفيقنا مصطفى مزياني بلعة تانديت، لحظتها كان الكل منكب ومنصب في التحضير لإنجاح هاته المحطة الغالية ذات الدلالة العظيمة، التي حرمني الاعتقال من مشاركة الرفاق والحضور المناضل وعائلة الشهيد تخليدها .
وبالضبط سيتم اختطافي في الصباح الباكر ليوم الاحد 07 غشت 2016، من أمام المنزل الدي أقطنه بالحي الشعبي النجاح على أيدي فرقة خاصة بالاعتقال تتكون من أزيد من 13 عنصر قمعي بزي مدني عبر ثلاث سيارات عادية، وبدون مقدمات انقضوا علي كالٍذئاب  المفترسة بالضربات التي ازدادت بعد أن جن جنونهم لانهم لم يصدقوا انني هناك لوحدي، فاقتحموا المنزل الدي لم يجدوا به غير ملابسي وبعض الكتب التي لم تسلم بدورها من همجيتهم.
يومان بولاية القمع " الجحيم الدي لا يوصف"
 إن وصف ونقل ما يجري من داخل مخافر وأقبية القمع المظلمة، وكيف تمر أشواط التعذيب و التحقيق، وإيصاله للمتلقي والقارئ كما هو وبموضوعية، وبدون زيادة أو نقصان، وبدون إعطاء الحقائق طابع التضخيم أو التهويل، أو طابع الاستهانة والانتقاص من قيمة ما يحدث، وبدون الدفع بالمعطيات في اتجاه أهداف غير الأهداف الحقيقية والتي سبق وأن أشرت إليها في بداية الجزء الأول من هاته الكتابة، لأمر بالغ الصعوبة ويتطلب من الواصف والناقل امتلاك مهارات وكفاءات خاصة، كلما ارتفعت وازدادت درجة امتلاكها، كلما كان الوصف أكثر دقة وبراعة وأكثر موضوعية.
وهو ما أرى أنه طبق أو سعى على الأقل إلى تطبيقه وتحقيقه ولو بدرجات ومستويات معينة، المعتقلين السياسيين في شواهد تعذيبهم التي نشرت سابقا، باختلاف وتفاوت درجات امتلاكهم لهاته المهارات والكفاءات، والتي اعترف أنها كانت كبيرة لحد جعل باستطاعتهم تجاوز الوصف إلى طرح طرق وأساليب لمواجهة الجلاد وتحقيق الانتصار عليه، مقدمين مادة دسمة لإغناء الكتابات التاريخية القليلة التي ذهبت في هذا الاتجاه.
هو نفس الأمر الذي سعيت إليه بدوري عبر مساهمتي هاته البسيطة والمختصرة وهذا الاختصار مبني على أمرين:
الأمر الأول: هو أن ما عشته وما تعرضت له من أشواط التعذيب والتنكيل في تجربتي طيلة يومين بولاية القمع لا يختلف كثيرا ولا يقل همجيته عن ما عايشه وتعرض له المعتقلين السياسيين قلبي، والمدون في شواهد تعذيبهم، رغم أنه تبقى لكل تجربة شروطها وظروفها الخاصة المحيطة بها والتي تميزها عن باقي التجارب الأخرى.
الأمر الثاني: هو لتجنب الإطالة في السرد الكرونولوجي الذي يصبح عديم الجدوى في بعض الأحيان، وتضيع معه قوة الكتابة ومغزاها ويظهر كأنها عمل روائي.
اليوم الأول: 07 غشت 2016
مباشرة بعد الوصول إلى ولاية القمع بفاس، تم إدخالي أحد المكاتب في الطابق الثاني الذي وجدت به الجلادين في انتظاري، فعادت بي الذاكرة إلى نفس الوضع المماثل الذي عشته في ليلة 05 مارس 2014، بعدما داهمت قوى القمع تحت جنحة الظلام المبيت الليلي بكلية العلوم، وارتكبت مجزرة دموية نجى فيها أحد الرفاق من محاولة اغتيال حقيقية بأعجوية، عبر الدبح من الرقبة بالسيوف، ليتم فرض إطلاق سراحي في اليوم الموالي بعدما دقت أشواط من التعذيب والتنكيل، وبعد مقدمة بسيطة أراد من خلالها أحد الجلادين إيصال فكرة أن أكون معهم صريحا وصادقا، بدأت الأسئلة التي تركزت أغلبها في اليوم الأول على الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد مصطفى مزياني وأغلبها لم أقدم عليها أي إجابة مما كلفني الضرب بهمجية في مختلف الأماكن الحساسة بجسمي:
-         هل أنت صاحب الفيديو المنشور في ...؟
-         كم قضيت السنة الماضية في تانديت، وفي أي وقت كنت ستذهب هاته السنة؟
-         ماذا تفعل الآن في مدينة فاس، ولأي شيء تخطط؟
-         من سيكون حاضرا في الذكرى: البرنامج المسطر؟
اليوم الثاني: 08 غشت 2016.
بعد ليلة بقبو الولاية بدون أكل ولا شرب ولا نوم، أفترش الأرض النتنة في مكان تنبع منه كل الروائح الكريهة وتتراقص فيه كل أنواع الحشرات، سيتم المناداة علي وتصفيد أيدي مرة أخرى وإدخالي أحد المكاتب التي وجدت بها أول ما دخلت كبير الجلادين الذي يترأس فرقة الاعتقال ومعه آخرين يحملون أوراق مدون بها كل شيء عن اليوم الأول، تأكدت من ذلك من خلال نظرة سرقت بها اسم "رزوق" وتاريخ الأمس مكتوب في أعلى الورقة، فبدأت الأسئلة التي كانت مرفوقة طبعا بالضرب وفق إجابتي التي لم تنل إعجابهم:
-         علاقة ظهر المهراز بسايس؟
-         هل كنت على علم بأنك متابع منذ 2014؟
-         هل شاركت في الأحداث التي وقعت بتاريخ 04 نونبر 2014، 01 دجنبر 2014، 14 مارس2016؟
-         هل تعرف فلان وفلان...؟
-         أسئلة حول بعض التظاهرات التي أغليها نظمت إلى الشارع؟
لتنتهي أسئلتهم بالمساومات بعد أن فقدوا الأمل في الوصول لأهدافهم، وبإجباري بالقوة الإمضاء على محضر جاهز لم أطلع عليه، كتب فيه اسمي بالمكان الفارغ المخصص لذلك، ولم أعلم بما فيه وما التهم الملفقة إلا في اليوم الموالي بعد تقديمي على أنظار وكيل الكمبرادور ومنه إلى جلسة بمحكمة النظام الرجعي الابتدائية بفاس.
هي يومان من الآلام والمعاناة سجلت فيها بكل فخر واعتزاز صمودا وانتصارا على الجلادين الذين يتفنون في التنكيل والتعذيب وعلمت من خلالها لماذا يفضل المعتقلين قضاء شهور من السجن على قضاء يومين بالجحيم.
المحاكمة والسجن
بعد تقديمي على أنظار محكمة النظام الرجعي الابتدائية بفاس "قصر العدالة" حيث ترتكب الجرائم وتضرب كل "الحقوق والقوانين" عرض الحائط منها الحق في التعبير، سيتقرر الاحتفاظ بي رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن السيء الذكر عين قادوس ومتابعتي بتهم ملفقة تعود للثلاث سنوات الأخيرة، وهي نفسها تقريبا المتابع بها الرفيق منير الغزوي الذي أتقاسم معه آلام ومعاناة الزنزانة، سيتم بعد مسلسل من التأجيلات للمحاكمات الصورية التي قدمنا إليها كلينا، وأكدنا من خلالها بكل فخر واعتزاز على هويتنا كمعتقلين سياسيين، مدافعين عن قضية اعتقالنا، أزلنا الستار على طابع المحاكمة التي نتعرض لها بما هي محاكمة لمواقف وأفكار وانتماء سياسي، النطق بحكم جائر في حقي بسنة سجنا نافدة ونصفها في حق رفيقي منير الغزوي.
وها نحن الآن نعيش جنبا إلى جنب نتدوق مرارة الاعتقال وقساوة الزنزانة، نواصل المسار، رغم السجن والسجان، رغم التشديد والحصار المضروب، أوفياء لمبادئنا، نفتخر بانتمائنا السياسي للفصيل الماركسي اللينيني النهج الديمقراطي القاعدي ولمدرسة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لإنهاء القمع والاعتقال  نؤمن بأنه هو الصرح الذي تشيد عليه الحرية، التي نتطلع بكل محبة وشوق لنيلها.
...
السجن لنا اليوم  السجن لنا غدا

الحرية للأبد

0 التعليقات:

إرسال تعليق