الخميس، 31 مارس 2016

السجن السيء الذكر عين قادوس فاس / في 28 مارس 2016 / المعتقل السياسي: حيزون يوسف (الرابور) : شهادة حول التعذيب " فوبيا ولاد المبيت وفزاعة الراب الملتزم "

السجن السيء الذكر عين قادوس فاس في 28 مارس 2016
المعتقل السياسي: حيزون يوسف (الرابور)
رقم الاعتقال        : 1650
شهادة حول التعذيب
" فوبيا ولاد المبيت وفزاعة الراب الملتزم "

انطلق الموسم الجامعي2015/2016 على واقع المزيد من الاجهازات على المكتسبات التاريخية لأبناء الشعب المغربي من داخل حقل التعليم، حيث شكلت قرارات 8 يوليوز منعطفا خطيرا أظهر بالملموس نوايا النظام القائم في استمراره في مسلسل الزحف على ما تبقى من مجانية التعليم، لما تضمنته هذه القرارات من بنود تهدف بشكل صارخ تكريس المزيد من الإقصاء في حق أبناء الفقراء وحرمانهم من حقهم المقدس في التعليم، ومن موقع النقيض في الصراع، شكلت هذه البنود بالنسبة للجماهير الطلابية ومحاولة تمريرها على كاهلها مسألة حياة أو موت، حيث تم تسطير ملف مطلب شامل خلال النقاش التفاعلي بكلية العلوم، وخوض مجموعة من الأشكال و الخطوات النضالية ( اعتصام مفتوح، مقاطعات متفرقة للدراسة، مقاطعة شاملة، تظاهرات داخل وخارج أسوار الجامعة، تظاهرة 17 دجنبر التاريخية نحو رئاسة الجامعة...) توجت بعد نقاش تقريري بقوة اقتراحية ناهزت 241 مقترحا مسؤولا خلص بإجماع الأغلبية إلى مقاطعة الامتحانات إلى غاية تحقيق كافة المطالب المسطرة و في مقدمتها رفع قرارات 8 يوليوز، على هذا الأساس قاطعت الجماهير الطلابية بمعية مناضليها الامتحانات المشبوهة بكلية العلوم لمرتين على التوالي ( 18 يناير، 2 فبراير ) وذلك بعد تعنت الجهات التي تدعي المسؤولية وعدم تقديمها لأية إجابة مقنعة للطلبة، لتزيد بعد ذلك من تعنتها وإجرامها وتقوم بالإعلان عن دورة استثنائية وبرمجتها بكلية الآداب سايس بتاريخ 14 مارس 2016، واستدعاء ترسانة قمعية أقل ما يمكن وصفها ب جيوش مجيشة بكل التلاوين الزرقاء، الخضراء و السوداء، وذلك لترهيب الطلبة و الطالبات وإجبارهم على اجتياز هذه الامتحانات المشبوهة بالقوة.
في هذا السياق يأتي اعتقالي رفقة مجموعة كبيرة من الطلبة بعد أن كنا متوجهين من الحي الجامعي سايس ذكور صوب كلية الآداب سايس في شكل تظاهرة من أجل تجسيد خلاصات النقاش التقريري المتمثلة في مقاطعة الامتحانات في أي نسخة كانت إلى غاية تحقيق كافة المطالب العادلة و المشروعة التي سطرتها الجماهير الطلابية بكلية العلوم، لنتفاجأ بجيش من قوات القمع متجها صوبنا بدأ بعض عناصره برشقنا بالحجارة من بعيد باستخدام المقالع ( وبالضبط قرب مدخل الحي الجامعي إناث، أي قبل وصول التظاهرة إلى كلية الآداب)، لتأتي بعد ذلك سيارات القمع من الخلف وبأعداد كبيرة محاولة محاصرتنا، فما كان منا إلا الانسحاب صوب الحقول المجاورة للحي الجامعي إناث سايس، لتبدأ عملية المطاردات في حقنا من طرف عدد ضخم من عناصر القمع ( المشاة، والدراجين)، قطعنا أزيد من 3 كيلومترات وسط الحقول، لتتم محاصرتنا بعد ذلك من طرف سيارات القمع القادمة من طريق صفرو وبالضبط بأحد الدواوير المهمشة ، ليتم اعتقالنا هناك، الشيء الذي لم يمحى من ذاكرتي ما حييت هو الطريقة التي تم التعاطي معنا بها، حيث تم رمينا من فوق أحد السطوح ( التي التجأنا إليها أنا ومجموعة من الطلبة أثناء فرارنا من فوق بشكل تعسفي، لينتظرنا في الأسفل رجال القمع بالهراوات من كل الأنواع ( ماطراك، عصي البيسبول، عصي حديدية، سلاسل...) لتبدأ المجزرة أمام مرأى سكان الدوار الذين كانوا يتوسلون الجلادين ويطلبون منهم الرحمة و الشفقة لكن دون جدوى، عندما تم رميي من السطح وجدت في انتظاري أحد رجال القمع يحمل عصي بيسبول وبدأ ينهال علي بالضرب في جميع مناطق جسمي، قبل أن ينضاف إليه عنصران أخران من "البلير"، أخذوني بعد ذلك خارج المنزل حيث وجدت مجموعة من الطلبة ملقيين على الأرض، وقطيع من الذئاب الجائعة ينهال عليهم بالرفس و الضرب بالعصي في منظر يهز النفس، انفضت إلى هؤلاء الطلبة، وبدأت أتلقى الضربات على مستوى الظهر و الرجلين والكتف و الفخذ اليمنى، ومن بين أخطرها، ضربة غادرة على مستوى الأضلع، أحسست برئتي قد سحقت، فلم أقوى على التنفس وأغمي علي قليلا، عندما استفقت وجدت نفسي قرب إحدى سيارات القمع، ملقى على الأرض رفقة مجموعة من الطلبة، أمرنا أحدهم بالاستلقاء على بطوننا ووضع أيدينا وراءنا، هنا بدأ مسلسل السب والشتم و المزيد من الضرب ( يا ولاد القح..يا الزو..، يحرق دين طب..مكوم  يا ولاد القح..، يا الكفار...) كدسونا في سيارة القمع تلك كما تكدس الماشية، وتوجهوا بنا صوب ولاية القمع، حيث سيبدأ مسلسل آخر من التعذيب الجسدي و النفسي، وصلنا مرهقين بالضرب وعددنا يقارب 60 طالب، بعضهم لا زالت الدماء لم تجف بعد من رأسه، أخذوا هواتفنا أو بالأحرى ما تبقى من هواتفنا حيث أن معظمنا تعرض للسرقة من طرف قوى القمع أثناء اعتقالنا، سجلوا أسماؤنا وأرقام بطائقنا الوطنية، قاموا بأخذ بصماتنا والتقاط صورنا، وبدأوا يستدعوننا الواحد تلو الأخر من أجل "التحقيق" أو بالأحرى التلفيق، حان دوري، صعدوا بي لأحد المكاتب لأجد في انتظاري 3 محققين، بدأوا بأسئلتهم المعتادة ( الاسم، النسب؟، تاريخ الازدياد، اسم الأب، اسم الأم، المستوى الدراسي، عدد الإخوة، شكون كتعرف من الرفاق؟ كتعرف فلان؟ فرتلان؟،...)ثم طلب مني أحدهم حسابي على الفيسبوك وأخذ يتصفح حائطي الشخصي، ليتصادف مع منشور للصفحة الرسمية للفرقة الغنائية ولاد المبيت كنت قد نشرته سابقا وهو فيديو لإحدى مساهماتنا بموقع تازة، وبالضبط لأغنية "لسوار الطايحة"، فسألني أحدهم عن مغزى هذا العنوان، فأجبته بأن عليه الاستماع للأغنية عساه يستوعب واقعا لا ينتمي له، شغل الفيديو، فانطلقت أنغام الهجهوج مرفوقة بموال لسيمو باكو، فشعرت بقشعريرة لما وقف أحد المحققين من مكانه مهرولا ليشاهد  رفقة زملائه وهو يسأل ( واش ناس الغيوان هادو؟)، فأجبته بكل فخر وكبرياء (ولاد المبيت هادو)، أخذوا يستمعون للأغنية كلمة بكلمة، ومن حين لآخر يتمتمون في آذان بعضهم البعض، أما أنا فسرح تفكيري بعيدا، خارج مكتب التحقيق، خارج ولاية القمع، تذكرت الأمسيات الفنية الملتزمة وأجوائها ، تذكرت الجماهير الطلابية وهي تتفاعل مع إيقاعات أغنية "لاح لاح علم الثورة"، تذكرت الطلبة و الطالبات الذين لطالما كانوا يسألون عن أغانينا وعن جديدها دوما، تذكرت الشهيد البطل مصطفى مزياني وأيام المبيت الليلي بكلية العلوم لما كان يغني معنا " يما مبغينا والوا "، تذكرت أب الشهيد، أبونا محمد خلال الذكرى الأربعينية لاستشهاد رفيقنا البطل مصطفى بتانديت لما تساقطت قطرات الدمع من عينيه لما ألقينا لأول مرة أغنية " الشهيد "، تذكرت جدنا، جد الغالي مصطفى لما رفع لنا شارة النصر، تذكرت مجمل اللحظات التي عاشتها الفرقة منذ ميلادها، فابتسمت، فنطق أحدهم متهجما ( كاتضحك أولد القح.. عاجبك الحال !!)، بعد انتهائهم من سماع الأغنية، سألني أخر ( دابا نتا كيعيطوليك الرابور ونتا كتغني هدشي، كيفاش زعما!؟) فأجبته ( كنغني الراب )، فقال مستهزئا ( وكضرب بالحجر وكتوقف فالحلقيات وكترفع الشعارات وزيد وزيد، لمهم سبع صنايع والرزق ضايع) فأجبته (سبع صنايع والوطن ضايع ) فأجابني ( عايق مع كر.. أود القح..)، بدأ يتصفح مجددا فوجد اسم "العاصي – L’3AC" قفال ( هذا هو الاسم الفني ديالك، العاصي ياك؟) فأجبتهم (نعم) فقال ( عاصي على شنو يا الزا..) فأجبته (على كل شيء)، وما هي إلا برهة حتى وجد أغاني على يوتيوب فالتف عليه زملائه مجددا، شغلوا فيديو مصور كنت قد سردت فيه تجربة اعتقالي الأولى الموسم الماضي، وقمت بتصويره مرتديا قميص الشهيد مصطفى مزياني، فتقاطرت علي أسئلتهم مجددا ( شنو كتعني بهادي؟ شنو كتقصد بهادي؟...) فأجبتهم (كولشي كيغني الراب علاش شديتوا فهاد النقطة هادي؟) فقال أحدهم ( حنا لي كنسولو ماشي نتا أز..)، فابتسمت ابتسامة عريضة، تأكدت حينها أن للفن الملتزم قوة لم أكن أشعر بها من قبل، هنا علمت أني في الطريق الصحيح وأني أشكل رقما صعبا في معادلة الصراع، ولو من زاوية الفن الملتزم، شغلوا بعد ذلك فيديو أخر أناقش فيه موضوع الانتخابات، فسألني أحدهم (واش شاركتي فالانتخابات؟) فأجبته ( مامسجلش كاع!) ، فقال ( مامسجلش يا الزام.. وكتحرض الناس على مقاطعة الانتخابات) لأتأكد مجددا ( ياك هادي هي أغنية!) فرد علي ( هادا تحريض على المقاطعة، نتا كدير الفتنة) ثم قال أحدهم ( شوف "مسلم" تاهوا غنى على التمرد وداكشي ولاكن بلا ميدير الفتنة)، فجأة رن هاتف أحدهم، فخرج من المكتب ليجيب، ثم عاد مزمجرا وبدأ مباشرة في صفعي وتوجيه اللكمات إلى بطني بشكل هستيري، ناهيك عن السب و الشتم، حتى خرت قواي وسقطت على الكرسي، فسألته متهكما وأنا ملقى على الأرض ( مالك أصاحبي!!!)، حينها توقف وأجاب ( ماعرفتش زعما؟) أجبته بالنفي، فطلب مني العودة للجلوس، فوضع يده على خدي وأخذ يصفعني بشكل أقل قوة وهو يقول ( قود..ها معايا، القضية فيها المولوتوف!) فأجبته ( شناهوا هاد المولوتوف؟!) فصفعني صفعة قوية حتى سقطت مرة أخرى من على الكرسي، انطلق السب و الشتم مجددا، نهضت من جديد، وبدأت الأسئلة ( شكون لي صاوبوا؟ منين جبتو ليسونس؟ شكون ضرب بيه؟...) فأجبته بأنه لا علم لي عما يتحدث! فاستشاط غضبا، ثم أخذ هاتفه وخرج، بقي الأخران يستعملان أسلوبا لطيفا معي، كالحلوى المسمومة محاولين استمالتي، فكانت إجابتي كالعادة ب (ماعلاباليش) ، دخل المحقق الذي جن جنونه من قبل، لكن هذه المرة علامات الثقة ممزوجة بالغدر تبدو على محياه، فقال لي ( مابغيتيش تعتارف، هاهو لي غايعرفليك) فتهاطلت الأسئلة على ذهني ( من يكون يا ترى!؟) فأردف قائلا (كاتعرف " دراكيلا" ؟) فأجبته ( هداك لي كيشرب الدم؟) فأخذ يضحك وقال ( هو هذاك، هو لي غيعرفليك) فأجبته ( لي باليك)، مرت بضع دقائق فدخل أحدهم المكتب دون أم يطرق الباب، قصير القامة نسبيا، بنظارات سوداء وزي أنيق، شارب كثيف، عمره غالبا في الأربعينيات، أول ما قاله ( مجلسين دين مو فوق الكرسي، هاي هاي هاي، نزلوا ولد القح.. للأرض) فنزعزا الكرسي واستلقيت على الأرض، فقال لي ( نتا لي صيبتي المولوتوف؟) فأجبته بالنفي، فقال للمحقق الأخر الذي يدون أقوالي- أو بالأحرى يلفق أقوالي – ( دير لدين مو هو لي صاوب المولوتوف وهو لي ضرب بيه "القوات العمومية" ) فدون ذلك، أشار إليه الآخر الذي لا زال يتصفح حائطي الشخصي قائلا ( دين موك يحرض عباد الله على مقاطعة الانتخابات بأغنية د الراب) فأجابه "دراكيلا" ( دير لمو التحريض على مقاطعة الانتخابات) فدون الآخر ذلك، ثم أشار إليه مجددا- الذي يتصفح - (راه مع 20 فبراير، راه مصور بالدرابو ديالهوم) فرد "دراكيلا" ( زيد لمو الانتماء لمنظمة محظورة وتهديد أمن الدولة) أردف المتصفح قائلا ( شوف شكون لي عنو فالأصدقاء فالفيسبوك وشوف لمن داير جيم) تفاجأت ماذا يقصد يا ترى !، ألقى "دراكيلا" نظرة على الحاسوب واستشاط غضبا، شكون داك .. في إشارة إلى حساب لأحد الطلبة الصحراويين) فأجبته بأني أقبل طلبات الصداقة من أي شخص بدون اعتبارات، ثم قال مجددا( وعلاش داير جيم للصفحة ديال الطلبة الصحراويين بالحي الجامعي سايس؟ كدعموهم أ الزو...!) فأجبته أنه مجرد إعجاب لا داعي لكل هذا الغضب، فرد "دراكيلا" ( معادياش أولد القح.. نتا معاهم) فأشار للمحقق/ الملفق الذي يدون ( زبد لدين مو انفصالي) وأضاف ( زيد لمو القضية د "الحسناوي" يمشي يتغبر حتى هو ب 15 عام)، ثم هم خارجا – "دراكيلا" – رفسني في عضوي التناسلي وأنا على الأرض، وانصرف، بقي الثلاثة الأخرون يدونون بعض النقاط ثم أعادوني للمكتب الذي جمعونا فيه في الطابق الأول، بعد ذلك أنزلونا إلى قبو الولاية، حيث مرت 48 ساعة كالجحيم، استمر العذاب النفسي و الجسدي، البرد القارس و الروائح النتنة وسط آهات وأنين الطلبة المصابين إصابات بليغة والذين اشتد بهم الألم في تلك الظروف، توجهنا بعد ذلك إلى محكمة النظام الرجعية ومنها إلى السجن السيء الذكر عين قادوس.
وفي الأخير نناشد كافة الجماهير الطلابية على المزيد من الصمود و المقاومة و التشبث بمطالبها العادلة و المشروعة، والسير على درب شهدائنا الأبرار وشهيدنا البطل مصطفى مزياني، وكذا السير على درب المعتقلين السياسيين القابعين بكل زنازين الذل ز العار من داخل هذا الوطن الجريح، وأختم شهادتي بهذه الكلمات:
والحباب ألحباب                             عاري عليكم لا تنساوني
دخلوني من داك الباب                       وفظلام السيلون رماوني
وجلدني يا جلاد                              جرح السمطة ما يرهبني
وسجني يا سجان                             ضيم الزنزانة ما يرعبني
"ولاد المبيت"
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين
عاشت نضالات الحركة الطلابية

0 التعليقات:

إرسال تعليق